التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 06:05 ص , بتوقيت القاهرة

تعدد الزوجات في الإسلام.. المقدمات الجنسية (2)

(6)  نكاح الشِغار 
كلمة الشغار من حيث هي اصطلاح لغوي تعني: رفع رجلي المرأة للجماع. وهي كلمة مشتقة من الشغر، أي الرفع. وكانت "العرب" تقول شغر الكلب، إذا رفع أحد رجليه ليبول. ثم ضاقت الدنيا، وعقرت معاجم اللغة ونضبت، فلم يجد الفقهاء سوى هذه الكلمة ليستخدموها فيما بعد ككناية عن رفع المهر من عقد النكاح.


وكان الرجل في الجاهلية يقول للرجل: شاغرني؛ أي زوجني ابنتك، وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي، فيتم الزواج وقتئذ بدون مهر. وقد حرم الإسلام هذا النوع من النكاح. إذ نُسب إلى النبي محمد  ? قوله: لَا جَلَبَ، وَلَا جَنَبَ، وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ.


ووجود هذا النوع من النكاح ربما يؤكد أن مسألة تبادل الزواجات، التي ذكرناها في المقال السابق، كانت مجرد تبادل مؤقت للنساء بغرض الاستمتاع عن طريق التغيير، كما ذهب الدكتور جمال جمعة، ولم تكن زواجا بالمعنى المفهوم كما ذهب صاحب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.


(7) نكاح السر 
لأسباب كانت في الغالب طبقية، كان الرجال يواعدون النساء سرًا، وتستمر العلاقة الجنسية بينهم على هذا النحو إلى أن يحدث حمل، فتتحول حينئذ إلى زواج معلن. وذلك وفاءً من الرجل تجاه عشيقته. وقد حرم الإسلام هذا النوع من العلاقات حين قال بنص القرآن "لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً".


إلا أن هذا النوع من العلاقات ظل سائدًا بعد الإسلام، رغم التحريم، فـ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِي بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلا أُجِيزُهُ، وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهِ لَرَجَمْتُ. إلا أن هذا الموقف العمري المتشدد تجاه نكاح السر، قد تغيّر مع مرور الزمن إذ قال أبو حنيفة، رضي الله عنه: نكاح السر جائز إذا شهد عليه العدول وإن استكتموا ذلك. وواضح هنا أن شيخ المذهب الحنفي يتحدث عن نكاح بمعنى الزواج، لا بمعنى ممارسة الجنس فقط.


(8) نكاح المساهمة


ولأن المرأة كانت في نظر العربي ملكية، أو تركة بحسب وصف الدكتور جواد علي، فقد عرف العرب نكاح المساهمة. وهو الذي يحدث إذا ما أسرت إحدى القبائل رجلاً ما، فلم يستطع أن يفتدي نفسه بمال، فيعرض على آسره أن يفديه مقابل أن يُنكحه إحدى نسائه؛ أخته أو ابنته مثلاً، أو أن يطلب الآسر إحدى نساء الأسير ثمنًا لعتقه، فيمنحه إياها.


(9) نكاح الرهط 
وهو نوع من أنواع تعدد الأزواج. وفيه يجتمع رهط من الرجال، أي عدد من ثلاثة إلى عشرة، فينكحون المرأة. يدخلون عليها في خيمتها بالتناوب فيمارسون معها الجنس، وذلك برضاها بالطبع.


وهو نكاح - على ما يبدو - في مجتمع لا يملك أي نوع من أنواع الترفيه أو الفنون، كما هو الحال في الحضارات المجاورة لصحاري العرب، كان غرضه التمتع والترفيه، فالمرأة في هذا المجتمع كانت مصدر المتعة الوحيد، ولا ينافسها في ذلك سوى الخمر.


إلا أنه، وفي الوقت عينه، كان نكاحا مقننا له قواعد صارمة، فكانت المرأة إذا حملت على إثر مضاجعتها هؤلاء الرجال، ووضعت حملها، أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي من أمركم، وقد ولدت، ثم تسمي أحدهم وتقول له: هو ابنك يا فلان، فيلحق به الولد، ولا يستطيع الرجل حينها أن يبدي أي اعتراض.


(10) نكاح صَواحِبات الرايات


رغم تعدد مصادر المتعة الجنسية ومصارفها لدى العرب قبل الإسلام، ورغم امتلاك الرجال حقق التعدد، للدرجة التي جمع فيها بعضهم عشرة نساء في وقت واحد، كما ذكرنا في المقال السابق، ورغم مئات الإماء وعشرات ملك اليمين، إلا أن هذا كله لم يكن يعني غياب ظاهرة البغاء.


فكانت البغايا في هذا المجتمع  يُلقبن بـ "صواحبات الرايات"، ذلك لأن الواحدة منهن كانت تتخذ لنفسها خيمة معروفة تضع فوقها راية حمراء، وكان يتوافد عليها الرجال فلا تمنع منهم أحدا. بيد أنها كانت تُنظم عملية الدخول عليها عن طريق "القحب" أي السُعال المفتعل، فمن هنا سميت البغي بـ "القحبة" أي التي تسعل إيذانًا منها باستعدادها لتُنكح.


وقد كانت هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير في بلاد العرب، إذ عدّد الكلبي في كتابه "مثالب العرب" أسماء "القحاب" وذكر الكثير منهن في مكة على صغر حجمها. واللافت للنظر في ظاهرة صواحبات الرايات أن قريش لم تكن تنظر إليهن نظرة ازدراء، بل كانت ترعاهن، وقننت عملهن، فكانت المرأة منهن إذا حملت ووضعت حملها نُسب الابن إلى شبيهه من الرجال الذين ضاجعوها، وكان الرجال بدورهم يتنافسون أحيانا على رعاية الولد ونسبته.


ففي كتابه "ربيع الأبرار ونصوص الأخيار"، ذكر الزمخشري، مفسر القرآن الشهير، أن أحد بغايا مكة، وكانت تدعى "النابغة" نكحها أبو لهب، وأمية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان، والعاص بن وائل، في طهر واحد، وذلك قبل الإسلام بالطبع، فلما حملت ووضعت حملها، ادعى كل منهم أن المولود ولده وتنافسوا على أخذه، إذ ذاك؛ حكمت النابغة أنه للعاص بن وائل، وذاك الولد هو الصحابي عمرو بن العاص، رضي الله عنه وأرضاه.


ولما سئلت النابغة لماذا ادعت أنه للعاص بن وائل رغم أنه يشبه أبو سفيان وهو أشرف من العاص وأعلى منه مكانة؟ قالت إن العاص ينفق عليها، ويرعى بناتها، فلو نسبت الولد لغيره فلربما يتوقف عن رعايتها.


وقد زعم هشام الكلبي أن جدة عبد الرحمن بن عوف، وجدة مروان بن الحكم – رضوان الله عليهم -  كن من البغايا أيضًا، فالأولى تدعى "ممتعة" والثانية تلقب بـ "الزرقاء"، كما ذهب إلى أن أم صفوان بن أمية، أحد أشراف مكة وممن ناصبوا العداء للنبي محمد سنين طوال حتى أسلم بعد الفتح، كانت صاحبة راية تدعي "صفية"، وغيره كُثر كانت أماهتهم من "صواحبات الرايات". وهو الأمر الذي يؤكد أن الظاهرة كانت منتشرة بشكل كبير قبيل الإسلام، وكانت سببا مضافا في موافقته للعرب على التعدد.


وللحديث - إن شاء الله - يوم الخميس بقية.


للتواصل مع الكاتب عبر فيسبوك