التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 09:37 م , بتوقيت القاهرة

ألاعيب "حزب الله"

 

يبدو أن حزب الله مصمم على الانتقال من خانة الفصيل المقاوم للعدو المحتل، إلى خانة الميليشيا الطائفية التي تنخرط في أعمال القتال على أسس مذهبية.

الحزب الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري حتى وإن كان ضد ميليشيات متطرفة هو نفسه الذي يستنكر على العرب قتال الحوثيين في اليمن، وهي ميليشيات طائفية متطرفة أيضا.

حتى 2006، كان اللبنانيون يعتبرون حزب الله فصيلا مقاوما ضد إسرائيل، لكن بعد هذا التاريخ، وبعد انتشار قوات الأمم المتحدة على الحدود، تحول إلى ميليشيات في الداخل، سعت للسيطرة والاستيلاء على السلطة من خلال محاصرة السرايا، وتعطيل المجلس النيابي، وتعطيل الحياة السياسية لمدة سنة ونصف، ثم انتقل حزب الله في المرحلة الأخيرة، منذ عامين إلى أن يكون أداة إيران في الحرب القائمة في سوريا ومساندة نظام الرئيس الأسد، الأمر الذي فجر الخلافات بين ألوان الطيف السياسي في لبنان بسبب اختلاف المواقف من النظام السوري.

حزب الله الذي كان يصدر صورة الفصيل المقاوم للاحتلال الإسرائيلي والممانع للتطبيع معه طوال عقود، تغيرت صورته بمقارنة بسيطة لموقفه طوال فترة الحرب الإسرائيلية الأخيرة والمدمرة على غزة، والتي لم يتخذ فيها مجرد موقف إعلامي رافض للعدوان على ما يبدو أنه تأديب لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية التي انخرطت في القتال ضد نظام الحليف الإيراني بشار الأسد من جهة، ومن جهة أخرى موقفه من ضرب الحوثيين حيث لم ينتظر ساعات محدودة حتى يخرج أمينه العام بمنتهى الحماس يكيل الاتهامات للتحالف الذي يستهدف أبناء طائفته في اليمن. لكن يبدو أن التعليمات الإيرانية هي القاسم المشترك في الحالتين.

كان متوقعا أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الرد العربي بـ"عاصفة الحزم" على سقوط اليمن في أيدي الحوثيين، فبعد الموقف السياسي الرسمي للدولة الإيرانية الرافض لعمليات التحالف الذي تقوده السعودية والاتصالات التي أجراها الرئيس حسن روحاني بعد ساعات من الضربات بقادة ورؤساء الدول الغربية في محاولة منه لخلق رأي عام عالمي رافض للعمليات، لجأت طهران إلى استخدام أذرعها الأخطبوطية في المنطقة العربية لإثارة القلاقل داخل الدول التي أعلنت موافقتها وانخراطها في العملية العسكرية، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال الخطاب التصعيدي للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله عقب 24 ساعة فقط من بدء الضربات الجوية السعودية لمواقع الحوثيين، ثم تلويح حزبه بعرقلة عمل الحكومة اللبنانية الذي يشكل أحد مكوناتها، ومساءلة رئيس الوزراء تمام سلام عقابا له على موقفه المؤيد لإنشاء القوة العربية المشتركة خلال اجتماعات القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ، بدعوى أن القرار لم تناقشه الحكومة.

بات واضحا أن حزب الله ينوي نقل الأزمة اليمنية إلى الساحة الداخلية اللبنانية من خلال تعطيل عمل الحكومة، وبالتالي إفراغ المؤسسات الرسمية للدولة بعد الدور السلبي الذي يلعبه في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية بفرض النائب العماد ميشال عون مرشحا وحيدا للرئاسة بالرغم من أنه لا يحظى بإجماع داخلي، ولا تأييد كامل من قوى 14 آذارللوصول إلى قصر بعبدا.

يبدو أن لبنان مقبل على أزمة سياسية أشد تعقيدا بسبب إرادة السيد نصرالله في إجبار الدولة اللبنانية على رفض العملية العسكرية في اليمن أو على أقل تقدير تحييد بيروت، بينما يستمر هو وآلته الإعلامية يقدم الدعم اللا محدود لجماعة الحوثي دون أن يعتبر ذلك تدخلا.

ثمة شواهد تشير إلى أن الدور الإيراني لن يتوقف عند مناوشات حزب الله، لكنها ستلجأ عبر وكلائها من الفاعلين من غير الدول كجماعة الحوثي وقوات الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان إلى إشعال الأوضاع السياسية للضغط على الدول العربية من أجل وقف تدخلاتها في اليمن والوصول إلى مفاوضات يكون فيها الحوثيون أصحاب اليد العليا.

الأزمات السياسية المتوقعة التي ستخلقها إيران في المنطقة العربية ستستمر لفترة ليست بالقصيرة. الأمر مرهون بمدى إنجاز المفاوضات النووية مع مجموعة القوى الدولية (5+1) وفق الرغبات الإيرانية، وإلا ستواصل اللعب بورقة تهديد مصالح القوى الغربية في مناطق نفوذها بالشرق الأوسط، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية.

معطيات المشهد تؤكد أن المنطقة العربية أصبحت رقعة شطرنج، تحرك فيها القوى الإقليمية أوراقها في إطار الصراع الكامن على النفوذ والمصالح بالشرق الأوسط، في الوقت الذي لا يملك فيه العرب إلا السير في ركب القوى الأكبر لحمايتها من المطامع التوسعية، لبعض الخصوم في المنطقة.

هوامش

قوى 14 آذار هي تحالف سياسي يتكون من كبار الأحزاب والحركات السياسية التي ثارت على الوجود السوري في لبنان بعيد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري أو ما سمي بثورة الأرز بدعم فرنسا وامريكا والسعودية والأمم المتحدة. وقد أخذ اسمه عن التاريخ الذي أقيمت فيه مظاهرة جمعت أكثر من مليون شخص في 14 مارس سنة 2005.