التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 02:07 ص , بتوقيت القاهرة

الرُهاب من السوريين

- الفصل بين الميسورين والفقراء أو بين من تمت تسميتهم بـ "أبو شحاطة"، وباقي السوريين أمام مركز الأمن العام في البقاع.


 - الوقوف ساعات على الحدود دون سبب مع ما يترافق ذلك من إهانات أحيانا..


- ختم الباسبور بالأحمر والمنع من دخول لبنان لستة أشهر بسبب إلحاح البعض في الدخول لأن لديهم تذكرة سفر لم يستنسب موظف الأمن العام المعني الموافقة عليها.


- إجبار اللاجئين في بعض المخيمات أن يبدلوا أمكنة خيمهم خلال 72 ساعة لأسباب أمنية.


- عدم منح إقامات لشبان وشابات للبقاء في بيروت مهما علت شهاداتهم وخبراتهم إلا إذا قبلوا تسجيل أنفسهم أنهم يعملون أُجراء لدى "كفيل" لبناني.


 - نوم لاجئين في خيم وقوفا، لأن أرض الخيمة تبللت جميعها بمياه الشتاء. 


قرارات دخول للسوريين تستعيد نظام الكفالة وتفرض رسوما على اللاجئين (وهو أمر غير قانوني).


هل أُكمِلْ..
الأرجح أن منا من سيشيح بوجهه قبل أن يكمل ما أوردته أعلاه لأخبار نقرأها يوميا عبر "فايس بوك" و"وتويتر" حصرًا، بعد أن وقع التيار العام من الإعلام اللبناني في خانة الارتياب والتردد في نقل ما يحصل يوميا مع اللاجئين والمقيمين السوريين في لبنان ويجري الاكتفاء بنقل عناوين من نوع "توقيف سوري مشتبه به" أو "اعتقال سوري بتهمة".. حتما لا نعرف ما إذا كان هؤلاء قد ثبتت إدانتهم أم العكس.


لن تُفضي مقاربة مسألة التعامل مع قضية اللاجئين السوريين إلى لبنان إعلاميا إلى اكتشاف ما لا نعرف. الأرجح أننا لن نبارح النقطة التي وجدنا أنفسنا عالقين فيها منذ أربع سنوات وربما أكثر: الإعلام اللبناني منقسم عموديا كما هو البلد منقسم سياسيا وطائفيا ومقاربته لأزمة اللجوء السوري لا تزال رهينة هذه المعادلة القاتلة.


الجديد هو أن هناك إجماعا بات يتبلور بين الأطراف السياسية اللبنانية، جرى اختصاره بالقرارات الجديدة التي أصدرها الأمن العام اللبناني التي وضع لها عنوان أنها تنظم الدخول السوري إلى لبنان، فيما هي في الحقيقة تضاعف من أزمة هؤلاء ومن أزماتنا في لبنان.. فهذه القرارات حازت رضا متناقضي السياسة ما عنى تراجعا في النقاش الجدي والنقدي لما تضمنته تلك الإجراءات من اعتوارات فاضحة.


فإذا كان المعني بهذه الإجراءات إنقاذ لبنان فكيف يمكن حماية اللبنانيين بعد تحويل اللاجئين السوريين إلى مقيمين غير شرعين، وبالتالي دفعهم أكثر إلى سبل غير قانونية، هو ما عبرت عنه بدقة 17 منظمة غير حكومية لبنانية في بيان لها فصلت فيه مخاطر القرارات الأخيرة.


وبالحقيقة لطالما تعاملت السلطات اللبنانية مع اللاجئين السوريين وكأنهم دخلوا إلى لبنان باختيارهم، ولبنانيون كثر أيضا ليسوا بعيدين عن هذا المزاج.. وعندنا يجري نقاش مشكلة اللاجئين بشكل حاد أحيانا وفي غمرة التراشق تجري التعمية على حقيقة أن طرفا لبنانيا في السلطة إن لم نقل إنه السلطة وأعني حزب الله يشارك على نحو كبير في القتال في سوريا إلى جانب النظام الذي كان السبب الأول في محنة السوريين، وبالتالي محنتنا في لبنان المتمثلة بهذه القضية.


في الإعلام تجري إثارة مسألة اللاجئين من دون وضعها في السياق الأوسع لها، فتتم إثارة السلبيات والمخاوف على نحو تحريضي رخيص أحيانا. وهناك ما يشبه التسليم برفض تسمية الهاربين من سوريا بأنهم لاجئين وليسوا نازحين وهذا أبسط الحقوق. لم نلمس أي احتجاج يذكر حيال قرارات تفرض على القادمين للعمل أو للعيش أن يجدوا "كفيلا لبنانيا". 


ولبنان الذي يرفض تسميتهم بلاجئين هو ينسجم تماما مع ما يفعله النظام السوري في هذا الشأن، ففي سوريا لا يخوض النظام حربا ضد شعبه بل ضد حفنة من "العصابات المسلحة". وهكذا في لبنان يتم التعامي عن حقيقة أن من دخلوا إلى لبنان فعلوا ذلك لأنهم هربوا من الموت.


لكن وعلى رغم كل السقطات الفظيعة التي شهدها الإعلام اللبناني من مقالات وتعليقات مقيتة بحق السوريين وبحق اللاجئين، إلا أن ذلك يبدو أقل انحرافا إذا ما ناقشنا المشكلة الأكبر وهي مسؤولية الدولة عن حقن المشاعر وبث الكراهية


 لبنان يشهد أكبر ظاهرة لجوء في العالم قياسا بعدد السكان ترافق قدومهم مع عدم الاعتراف بهم كلاجئين ورفض إقامة مخيمات تأويهم وقصور كبير في إغاثتهم، كما ترافق مع احتقان طائفي لبناني لبناني، ولبناني سوري، وكل هذه العوامل حولت اللاجئين السوريين في الوعي اللبناني إلى معطى سلبي.


ضاعف دخول «داعش» على هذا الملف المعقد أصلاً، فجاء اختطاف الجنود اللبنانيين ليُغذي المشاعر السلبية وليزيد من حمّى "وطنية" بحجة دعم الجيش والقوى الأمنية، فاقترن ذلك مع تغاضي إعلامي مخجل لتجاوزات كبيرة شهدناها بالصوت والصورة وعبر فيديوهات لارتكابات خطيرة مورست بحق سوريين لاجئين ومقيمين. 


أمام هذه الأزمة لم تجد السلطات اللبنانية حلا سوى صياغة قرارات لا تخدم لبنان بل تخدم مصالح حلفاء دمشق، إذ إن وضع حدٍ للجوء السوري إلى لبنان لن يتحقق من دون أن يكف النظام في سورية عن قتل شعبه. 


قرارات الحكومة الأخيرة في ما يتعلق باللاجئين السوريين، الهدف الأول منها تخفيض عددهم عبر التضييق عليهم بطرق ستزيد من أزمتهم وتحولهم إلى مقيمين غير شرعيين ما ينذر ذلك بتفاقم أزمتهم وتسرب ذلك مزيدا من الأزمات لهم وللبنان.


تغاضينا المخجل عن تلك القرارات كأفراد وكإعلام لن يحمي لبنان من ارتدادات تلك الخطوة المسيئة والناقصة بل يزيد منها.