مقاهى السياسيين .. ما بين الشعبية والبعيدة عن الأنظار
مثلما لا يتفق السياسيون في آرائهم، لا يتفقون أيضا فى مجالسهم، فمنهم من يفضل المقاهي الشعبية، التي تساعدهم على الاحتكاك بالمواطنين، ومنهم من يفضل الأماكن البعيدة عن الأنظار، و يقع اختيارهم حينها على "كافيتريات" النوادي، و الفنادق الكبرى.
كافتيريا المقاولون العرب.. مجلس "محلب" المفضل
حين كان رئيسًا لمجلس إدارة شركة المقاولون العرب ارتبط مجلسه بـ "كافتيريا" النادي، تحديدًا مطعم القبة، الذي كان يذهب إليه يوميًا، وحتى بعد أن أصبح وزيرًا للإسكان، ثم رئيسًا للوزراء، لم يترك المهندس إبراهيم محلب مكانه المفضل، وظل يعقد لقاءاته الشخصية والعملية هناك.
ويقول أحد العاملين بالنادي، رفض ذكر اسمه، إن "محلب" يأتي إلى النادي حوالي ثلاث مرات أسبوعيًا، و يجتمع بأصدقائه في أوقات عدة، وبعض المسؤولين أو الشخصيات العامة أحيانًا.
ما سبق جعل إدارة نادي المقاولون العرب تقوم بتشديد الإجراءات الأمنية، حيث لا يصرح لأحد بالدخول من غير الأعضاء، كما أن المطعم الذي يجلس داخله رئيس الوزراء، لابد أن يكون بعيدًا عن عدسات كاميرات الصحفيين، سواء كان موجودًا هناك أو لا.
"جراند حياة".. الجلسات السرية للوزراء
يطل على النيل في منطقة جاردن سيتي، تتجه إليه الأنظار عند استضافته للمؤتمرات، والاحتفالات الكبرى، وتبتعد عنه في وقت آخر، وهو الوقت الذي يستغله عدد من المسؤولين في الدولة لعقد جلساتهم بفندق جراند حياة.
و كشف اثنان من العاملين بالفندق لـ"دوت مصر" أن الكاتب وحيد حامد، هو الوحيد الذي يواظب على الذهاب إلى الفندق منذ افتتاحه في السبعينيات، لكن هناك عدد من الوزراء و المسؤولين –رفضوا ذكر أسماءهم - يترددون على "كافتيريا" الفندق من وقت لآخر، لعقد اجتماعات خاصة بعيدًا عن الأضواء.
"سوق الحميدية" : الزباين كوكتيل
أصوات كركرة الشيشة، ونداءات النادل وأحاديث الزبائن التي لم تعرف موضوعًا محددًا، تمتزج معًا داخل مقهى "سوق الحميدية"، هذا المقهى الذي وجد فيه السياسيون -بمختلف اتجاهاتهم- ضالتهم.
خمسة أبواب يطل منها المقهى المكون من دورين على شارع باب اللوق، صورًا للثورة المصرية، و لحواري دمشق القديمة تملأ جدرانه، التي غلب عليها اللون الأصفر الباهت في إشارة إلى تاريخ المكان الذي يعود إلى عام 1958.
يجلس أمام واجهته بالخارج العامل بالمقهى ناصر محمد، والذي يعمل به منذ إنشائه، ليرص أحجرة الشيشة، و يقول :"أصحاب المكان سوريين، وسموا المكان على اسم سوق عندهم في سوريا اسمه الحميدية".
ويضيف: "كان زمان بيجي فنانين زي محمد توفيق، عبد المنعم إبراهيم، محمد الدفراوي، عبدالله غيث، سعيد صالح، محمد نوح، و من الكتاب عبدالوهاب مطاوع، وعبد المنعم رخا، و الشاعر أمل دنقل، و الروائي علاء الأسواني، كان ملتقى ثقافي و فنى، لكن دلوقتي الزباين بقت "كوكتيل" أشكال و ألوان يعني، لكن أغلبهم سياسيين زي عمرو حمزاوي، و نشطاء كتير".
وعن تاريخ "سوق الحميدية" يحكي :" تم إنشاؤه في 23 يوليو 1958 في نفس عام الوحدة بين مصر وسوريا، وكان صالونا يقدم فيه المشروبات وجميع أنواع الحلوى والمأكولات السورية الشهيرة، لكن مع مرور الوقت بدأ المقهى يقدم المشروبات التي يحبها المصريون مثل السحلب وغيرها من المشروبات".
"سوق الحميدية" لم يتغير عن سابق عهده، فلازال مقهى استثثنائى له طابعه الخاص .. هكذا اختتم ناصر حديثه.
"ريش".. مائة عام جمعوا السياسيين والمثقفين
هنا مقهى ريش، هنا تاريخ قابع بين الجدران يرجع لأكثر من مائة عام، جمع المثقفين والأدباء والفنانين والسياسيين، منذ أن باعه رجل الأعمال النمساوي عام 1914 لأحد الرعايا الفرنسيين، الذي أطلق عليه "ريش" حتى يكون مثل أرقى مقاهي باريس، لتبدأ حكاية مقهى احتضن الفن والإبداع و الثورة.
يقول صاحب "ريش"، مجدي عبد الملاك، إن المكان هو ملتقى المثقفين أمثال نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وصلاح جاهين، وثروت أباظة، وكمال الملاخ، ولويس جريس، وغيرهم.
ويروى لـ "دوت مصر" :"لا نستطيع أن ننسى بداية مقهى ريش، كمسرح يقام فيه الحفلات الغنائية، لصالح عبد الحي، و زكي مراد، والسيدة أم كلثوم في بداياتها".
أما عن التاريخ السياسي للمكان، فيستكمل عبد الملاك حديثه : "كان للمقهى دورا كبيرا في ثورة 1919، حيث خرجت منه مظاهرة حاشدة طافت وسط القاهرة، و تم اكتشاف بدروم داخله به ماكينات طباعة للمنشورات ضد الإنجليز، وفي 1972 انطلقت منه ثورة الأدباء؛ احتجاجاً على اغتيال غسان كنعاني، كما أنه في ديسمبر 1919 شهد محاولة اغتيال رئيس الوزراء يوسف وهبة".
أدى هذا التاريخ السياسي إلى إغلاق "ريش" أثناء حكم الرئيس السادات، بسبب ما شهده من مشادات ومناقشات ساخطه على حكمه، وعلى معاهدة السلام مع إسرائيل.
بعد هذه الواقعة بسنوات افتتح مجدي مالك المقهى مرة أخرى، مخلدًا أبرز شخصياته في صور ورسوم تزين جدرانه، و ظل "ريش" يستقبل رواده من السياسيين، و أبرزهم جورج إسحاق، فاطمة ناعوت، المحامي أمير سالم، وذلك بعد أن فتح المقهى أبوابه لإقامة ندوات سياسية عقب ثورة 25 يناير.