التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 05:07 ص , بتوقيت القاهرة

67 عاما على اغتيال "الخازندار".. البنا "باصى" والسندي "شاط"

"لو نخلص من الخازندار!"، أطلق المرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، تلك العبارة، ليلتقطها منه مسؤول التنظيم السري للجماعة في ذلك الوقت، عبد الرحمن السندي، الذي اعتبرها أمرا لا بد أن يطاع، فكلف اثنين من أتباعه بقتله في مثل هذا اليوم الموافق 23 مارس عام 1948، ليشتعل جدل لا ينتهي حول ما إذا كان البنا قد وافق على قتله أم لا.

الإشارة بالاغتيال

بعد أن أصدر المستشار أحمد الخازندار، أحكاما مشددة ضد أعضاء جماعة الإخوان في قضية الاعتداء على الإنجليز، التي عرفت بـ"قضية القنابل"، كان القاضي نفسه ينظر قضية "تفجيرات سينما مترو"، المتهم بها عدد من أعضاء الجماعة، وكان حسن البنا غاضبا من أحكامه في القضية السابقة وقلقا مما قد يحكم به في القضية التي كان ينظرها.

فقال البنا :"لو نخلص من الخازندار وأمثاله !"، فتلقى عبد الرحمن السندي تلك العبارة على أنها أمر بقتل المستشار، فقام بتحريض اثنين من أعضاء التنظيم الخاص، وهما حسن عبد الحافظ، ومحمود سعيد زينهم، على قتله بعدما راقبا منزله أسبوعا.

التنفيذ

أثناء ذهابه لعمله بالمحكمة، أفرغ حسن عبد الحافظ، ومحمود سعيد، ما في أسلحتهما من طلقات في جسد الخازندار، وحاولا الفرار، إلا أن سكان منطقة حلوان طاردوهما، ما دفعهما لإلقاء قنبلة عليهم، واستمرا في محاولة الهرب حتى استطاعت الشرطة القبض عليهما.

وبعد تأكد النيابة من انتمائهم لجماعة الإخوان، قامت بإستدعاء حسن البنا للتأكد ما إذا كان له علاقة بالأمر من عدمه، فأنكر المرشد وجود أي صلة تربطه بهما، رغم اعتراف الإخوان فيما بعد بأن أحد المتهمين وهو حسن عبد الحافظ كان يعمل سكرتيرا خاصا للبنا. 

محاكمة السندي

يؤكد أعضاء الجماعة الذين قاموا بتأريخ هذه الفترة، أن البنا حزن وبكى، عندما أخبره عبد الرحمن السندي أنه قام بتحريضهما على قتل الخازندار بناء على ما فهمه من مرشده على أنه أمر بالقتل.

ويقول عضو التنظيم الخاص لجماعة الإخوان، عبد العزيز كامل، في كتابه "في نهر الحياة"، إن "البنا  قال لو ربنا يخلصنا منه أو لو نخلص منه أو لو واحد يخصلنا منه، معنى لا يخرج عن الأمنية، ولا يصل إلي الأمر، فالأمر محدد، وإلي شخص محدد، وهو لم يصدر أمرا، ولم يكلف أحدا بتنفيذ ذلك، ففهم عبد الرحمن هذه الأمنية أمرا واتخذ اجراءاته التنفيذية".

وأضاف "فوجئ الأستاذ بالتنفيذ، بينما أصر عبد الرحمن السندي أنه كان أمرا مباشرا من المرشد وظل كل منهما يلقي اللوم على الآخر"، حتى قام حسن البنا بإصدر حكم على عبد الرحمن السندي تكشف مدى رضاه عن تلك الفعلة. 

البنا لـ"السندي": "قتل خطأ.. ومتعملش كدة تاني"

يروي محمود الصباغ في كتابه "حقيقة التنظيم الخاص" وقائع محاكمة حسن البنا لعبد الرحمن السندي، فيقول :"الحادث قتل خطأ، حيث لم يقصد عبد الرحمن ولا أحد من إخوانه، سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار بك".

ويتابع :"فقد حق على الجماعة أن تعمل الهيئة كجماعة على إنقاذ حياة المتهمين، البريئين من حبل المشنقة بكل ما أوتيت من قوة، فدماء الإخوان ليست هدرا".

ثم يؤكد "الصباغ" أن القتل الخطأ كان يستوجم دفع الدية فيقول "ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءا من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعت بالفعل ما يعادل الدية إلى ورثة المرحوم الخازندار بك، حيث دفعت لهم من مال الشعب عشرة آلاف جنيه، فإن من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة وبقى على الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين الأخرتين محمود زينهم، وحسن عبد الحافظ.".

ويؤكد عضو التنظيم الخاصى للجماعة، أحمد عادل كمال، في كتابه الشهير "النقط فوق الرحوف"، أن حسن البنا شدد على عبد الرحمن السندي ألا يقوم بأي عملية بعد ذلك إلا بأمر كتابي منه شخصيا، وليس بإستنتاجاته الشخصية.

التبريرات

رغم استنكار الإخوان العلني لعملية اغتيال الخازندار إلا أن الأمر لم يخلو من تبريرات بدت واضحة في الحكم الذي أصدره حسن البنا الذي لم يتخذ أي إجراء ضد عبد الرحمن السندي أو من عاونوه، بل أصر في نص حكمه على أهمية رعاية القتلة الذين سجنوا.

ويرى محمود الصباغ في كتابه "حقيقة التظيم الخاص"، أن عملية الاغتيال كانت معبرة عن الشعب المصري كله فيقول :"لقد استحل هؤلاء الإخوان الثلاثة لأنفسهم القيام بهذا العمل لدوافع وطنية اقتضتها ظروف هذا الحادث واستشعرها جميع شعب مصر في حينها، دون أن يكون لأحد من الإخوان المسلمين أو من قيادة النظام الخاص أمر أو إذن به".

ورغم أن معظم قيادات الإخوان يؤكدون أنه كان إنتقاما من الخازندار لما أعتقدوا أنه "عمالة للإنجلير"، إلا أن نص "حكم البنا" قد أشار إلى هدف آخر للعملية وهو "قتل روح التبلد الوطني في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار بك"، فقد كانت قضية "تفجير سينما مترو" المتهم بها أعضاء جماعة الإخوان إحدى القضايا التي كان ينظر بها الخازندار، مما استوجب إرسال رسالة للقضاة الذين سينظروا "قضايا الإخوان" بعد ذلك.