التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:32 م , بتوقيت القاهرة

اللحية والكوسة وغزو الفضاء (2)

تحدثنا في المقال الأول عن مقدمة للموضوع والآن نكمل.. 


ويثور السؤال، هل هناك أدلة على جواز مخالفة أوامر الرسول الدنيوية؟


- الحديث الشهير هو تلقيح النخل. عندما مر النبي بقوم يلقحون النخل فسأل عن ذلك، قالوا نفعل ذلك حتى يُثمر، فقال النبي ما أظن هذا يفيد بشيء.. فجاء الوقت ولم يثمر النخل، فرجعوا للرسول (ص)، فقال لهم: ( فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا ، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ).


ورواية أخرى، "ما أنا بزارع ولا صانع. أنتم أعلم بشؤون دنياكم." وتأكيدا لذلك يكمل عليه الصلاة والسلام:  (إذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فخذوه عني. وإذا أمرتكم بشيء من أمور دنياكم فإنما أنا بشر).


- حديث آخر عن الرسول (ص) أنه قال (من أحيا أرضا ميتة فهي له).


الحديث معناه جميل، يحث على الزرع والتنمية والاستغلال الأمثل للطبيعة.. لكن تطبيق الحديث يؤدي إلى مشاكل كبرى من انتزاع الملكية الشخصية والتعدي على حقوق الآخرين. بل والتعدي على ملكية الدولة. فمن الممكن أن يستغل أي أحد هذا الحديث، ويذهب لقطعة أرض فارغة، ويبدأ في زرعها ويدّعي ملكيتها، وهنا تحدث مشاكل كبرى. فتنظيم الملكية يجب ألا يتوقف على هذا الحديث. بل نأخذ معناه فقط. 


فالرسول قال الحديث بصفته حاكما سياسيا يحث الناس على الاستصلاح والتنمية، ما يتسق مع بيئة صحراوية ممتدة على مرمى البصر. وفي بيئة لم تعرف الدولة المركزية أو تقنين الملكيات الخاصة.


- حديث ثالث في البخاري، عن أبي أمامة، قال، عندما رأى الرسول المحراث، قال (لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل).


ظاهر الحديث ينهى عن استخدام المحاريث - أدوات الزراعة - وتلك كارثة.. كيف نزرع وننمي ونأكل إذن. خاصة في عصر الميكنة والبحث العلمي وزيادة إنتاجية الفدان! 


لو اعتبرت هذا الحديث تشريعا دينيا ملزما فأنت أمام أزمة كبرى. لا حل إلا اعتباره، كسابقيه، اجتهاد بشري من الرسول قابل للخطأ والصواب. وأنه أمر دنيوي لا يقصد به التشريع. ربما ظن الرسول أن العمل اليدوي أكثر بركة ويحث صاحبه على الصبر والاجتهاد، وأن الأدوات قد تؤدي إلى الكسل والإهمال. خاصة أنها كانت أدوات بدائية لن تقدم فارقا كبيرا في الإنتاج. 


الرسول في أحاديث أخرى يحث على الزراعة، وأن يكون ذلك خيرا ورحمة بالناس والطير والحيوان.. قال الرسول في البخاري (من غرس غرسا أو زرع زرعا، فأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة. إلا كان له به صدقة). الحديث عظيم لأقصى درجة. وأن يكون عملك ليس فقط نفعا لنفسك ومصلحتك الشخصية، بل لكل البشر، لكل المخلوقات. أن تكون كائنا يبعث الخير والكرم هذا هو الثابت المقصود من هذا الدين، مش فكرة شعر دقن أو شارب، وإلا كان دارون وكارل ماركس أكثر التزاما مني ومنك.


- وفي شؤون الحرب قال الرسول (من قتل قتيلا فله سلبه).. أي له حق أخذ متاعه وأدواته، أيضا لن نستطيع تعميمه باعتباره تشريعا ثابتا، لأنه يخص الحرب البدائية القائمة على البطولة الفردية لكل مقاتل، الذي يشتري سيفا ودرعا من ماله الخاص. فهو من كلف نفسه عناء الحرب. الآن في الدول الحديثة، حيث الجيش النظامي، المقاتل موظف، يتسلم سلاحه وأدواته. ومرتبا سخيا.


أيضا أحاديث الرسول بعض الأحيان لا يقصد منها المعنى الحرفي المباشر، بل يتجاوز الأمر إلى القصد والهدف والعلة. 


- والحديث الأشهر،( لَا يُصَلّيَن أَحَدُكُمْ الْعَصْرَ إلّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ). 
وقريظة جماعة من اليهود نقضت العهد وتحالفت مع الكافرين للإجهاز على الرسول وصحابته، فنوى الرسول حربهم وإجلاءهم تأمينا لحياة الناس. وحث رجاله على الإسراع في السير إليهم. بحيث لا يأتي وقت العصر إلا وهم هناك. 


فجاء وقت العصر وهم في الطريق، فبعض الصحابة رفض الصلاة. لأن الرسول قال بوضوح لا تصلوا إلا هناك.. وبعضهم قال بل الرسول قصد الإسراع ومن الممكن أن نصلي ونسرع في ذات الوقت. 


ويعتبر ابن القيم من صلى وأسرع، فهما لمقصد الرسول دون التقيد بظاهر النص، هم الأصوب. والآخرين الذين التزموا حرفيا معذورين باجتهادهم.  


ونكمل في المرة القادمة إن شاء الله..