مؤتمر شرم الشيخ والتجربة الأمريكية
يقول المثل الشعبي "اعطني سنارة ولا تُعطني سمكة"، ويعني باختصار، إذا أردت أن تُساعدني اعطني الفرصة لكي امتلك سنارة لكي أصطاد ما يكفيني من سمك يوميا، حتى أعتمد على نفسي، ولا تعطني سمكة يوميا لكي تسد جوعي بشكل مؤقت.
وحتى لا أطيل على نفسي، فإنّه من خلال متابعاتي لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، والذي كان يهدف في الأساس إلى إنقاذ الاقتصاد المصري الذي يترنح لأسباب كثيرة، وخرجت من المؤتمر بشيئين مهمين الأول أن هناك استثمارات مباشرة لمصر بقيمة 12 ميليارا ونصف المليار دولار، والثانية أن هناك عاصمة إدارية جديدة ستبنى خلال سبع سنوات، وسوف تنتقل لها الحكومة ومتوقع لها أن تكون دبي جديدة في مصر والمنطقة.
ومن خلال متابعاتي أيضا، وجدت أن هناك حالة من الخوف انتابت مفكري مصر سواء الاقتصاديون أو السياسيون، أو من يعتبرون أنفسهم مفكرين، وبات الجميع "يفتي" في الأمر بشكل عفوي مبني على مشاعر لحظية تمر بها مصر المتعثرة اقتصاديا أو أمور مرحلية، حيث مصر الجديدة التي لم تفق من الثورة الشعبية التي أطاحت بمبارك ثم بجماعة الإخوان المسلمين من بعده.
بداية الأمر فكرة نقل العاصمة "القاهرة" إلى خارج العاصمة، ليست بفكرة جديدة، بل كانت فكرة ملحة من أيام السادات، وبين كل فترة وأخرى تظهر على السطح، ثم تعاود أن تختفى لعدم توفر الإمكانيات، وتبقى فكرة الإلحاح محل التأجيل.
ثانيا تخوف المصريين من أن العاصمة الجديدة سوف تكرس فكرة رأس المال، الذي سيتحكم في كل شىء، وأن المدينة الجديدة ستخلق إقطاعيين جدد يتحكمون في موارد الشعب المصري، الذي لن يستطيع أن يمتلك منزل بالعاصمة الإدارية الجديدة، إلى أن أعاد الأمر فكرة الانفتاح الاقتصادي في الثمانينات، الذي أوصل مصر إلى ما هي عليه الآن، هذا أيضا أمر غير سليم، حيث إن الإقطاعيين القدامى موجودون، وما تحتاجه مصر هو محاسبة الفاسدين وإدارة صحيحة لمواردها الاقتصادية.
كما أن خلق مناخ يشجع على الاستثمار أفضل بكثير من محاصرة رأس المال وهروبه للخارج كما حدث في بدايات عام 2000 فى مصر، حيث سمي بعام الهروب الكبير، حيث شهد هروب الكثير من رجال الأعمال بأموال المصريين البسطاء الذين بلغوا من الكيل حده في دول الخليج حتى يدخروا بعض الأموال اخذتها منهم شركات توظيف الأموال، واستردوها مراوح وغسالات وبطاطين هم في غنى عنها أصلا، كما حدث مع شركات "الريان" على سبيل المثال.
آرى رؤية وطموحا كبيرا لدى الحكومة الجديدة في تفعيل الاقصاد المصري لمصلحة المواطن البسيط، قد يكون هناك بعض من نقص الخبرة لدى منفذي التطوير، أو قد يكون الحماس أكبر من حجم الموارد المتاحة، لكن ليس هناك خيار آخر، وهذه هى إمكانيات مصر والمصريين، ومن الأفضل أن تشجع الحكومة على العبور للمستقبل.
أنا لست مع فكرة دعم السلع والخدمات حتى النخاع، لكني مع فكرة تشجيع الاستثمارات لخلق فرص عمل والنهوض بالدولة ككل، وهذا يعود بِنَا إلى فكرة السمكة والسنارة، ما أراه في مصر الآن هو محاولة لإعطاء الشعب المصري السنارة، وفكرة أن المدينة الجديدة ستكون لرجال الأعمال فقط، هذا غير صحيح على الإطلاق، فعدد سكان دولة الإمارات العربية المتحدة الأصليين يقارب الـ 700 ألف نسمة، لكن عدد العمالة الوافدة يقارب الـ 5 ملايين نسمة، فرأس المال يحتاج أيدي عاملة.
وعلى نفس السياق وعلى سبيل المثال ففي الولايات المتحدة الأمريكية، هناك حزبان رئيسيان هما الحزب الديمقراطي الذي يمثله الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما وهو حزب الشعب الأمريكي والطبقة الوسطى، وأيضاً "حزب الكنبة" كما يقولون في مصر، والحزب الجمهوري وهو حزب الصفوة ورجال الأعمال.
الخلاف الأساسي بين الحزبين أن الديمقراطي دائما يدعو إلى فرض ضرائب جديدة على الأغنياء وإعطائها في صورة دعم لمحدودي الدخل وحزب الكنبة، أما الحزب الجمهوري فهو حزب رأس المال، الذي يدعو إلى ضرائب أقل وتشجيع الاستثمار، حتى يتم خلق فرص عمل للطبقة المتوسطة وحزب الكنبة.
منذ أن تولى أوباما السُلطة في أمريكا يناير 2009، والاقتصاد الأمريكي في حالة تباطؤ مستمر، ومعدلات البطالة في زيادة مستمرة، حيث إن الزيادة في الضرائب التي فرضها أوباما على الطبقة الرأسمالية قللت فرص الاستثمار، وبالتالي قللت معدلات نمو الوظائف، ثم زاد عجز الموازنة الأمريكية، مما دفع الحكومة الأمريكية للتقشف وتقليل الوظائف حتى داخل الحكومة والقطاعات الخدمية، وهو الأمر الذي يفكر فيه الأمريكيون حاليا بشكل جدي.
مشاكل مصر الاقتصادية لن تُحل بين يوم وليلة، لكنها تحتاج إلى صبر وإرادة من حديد، فدعونا نتخيل مصر بدون قناة السويس أو بدون السد العالي، كلها كانت مشروعات مصيرية في حينها، ودفع المصريون من دمائهم في حفر قناة السويس، وكذلك حوصرت مصر اقتصاديا أثناء بناء السد العالي، لكن الآن لا يمكن تخيل مصر بدونهما، فالدواء أحيانا يكون مرا لكنه مسألة حياة أو موت.