التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 12:52 ص , بتوقيت القاهرة

مصر المستقبل: شكرا!!

قصة المؤتمر الاقتصادي أفضل معبر عن إدارة الحكم الحالية في مصر. تولت الحكم في ظرف بالغ الصعوبة، أمله دعم الداعمين. في تلك الفترة برزت فكرة مؤتمر اقتصادي للمانحين، أي الدول المستعدة لدعم الوضع السياسي في مصر بتقديم إعانات اقتصادية. 


لكن خطوة خطوة، تحول مؤتمر المانحين إلى مؤتمر أصدقاء مصر. كان الوضع السياسي قد تغير، وصارت مصر لاعبة تختلف الأطراف الدولية والإقليمية حولها، في الملف الأمني. استقطاب دولي يغذيه استقطاب سياسي داخلي. ناهيك عن المشاكل السياسية الأخرى كالعلاقة مع إثيوبيا بسبب سد النهضة، والذي صنع هو نفسه استقطابا إفريقيا، يهم مصر كثيرا، لأن الدول الضالعة في ملف المياه تمثل عمقا استراتيجيا جنوبيا لمصر. 


هل تدركين حجم المخاطر؟ ليس هذا تهويلا ولا دعاية. هذا هو الشيء الوحيد الذي يتفق عليه حتى الخصوم السياسيين. الوضع الإقليمي مؤهل للانهيار، ومصر في القلب منه. 


أدركت هذا جموع متزايدة من الشعب المصري. ودعمُها قوّى موقف إدارة الحكم. كما أن مآسي الوضع الإقليمي قوت حجته السياسية، على استحياء عالمي في البداية، ثم بصوت عال انطلق من قلب باريس، وبالتحديد من مبنى جريدة شارلي إبدو التي تابعها العالم بالصوت والصورة وهي تقدم مشهدا للإرهاب. أين؟ في قلب أوروبا. 


كانت فكرة مؤتمر أصدقاء مصر قد تحركت قبل ذلك بثقة إلى فكرة مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري. إدارة الحكم تقدم نفسها الآن كصاحبة رؤية. رؤية سياسية إقليمية ودولية وداخلية أثبتت جدارتها بالمناقشة، ورؤية اقتصادية لتنمية البلد تدعو إلى هذه المناقشة. 


ثم كان المشهد في شرم الشيخ رسالة سياسية لا لبس فيها. لم تأت من فراغ. ولم تأت لخاطر عيوننا السوداء وأغانينا الوطنية. بل جاءت بسبب إصرار وجهد انتقل من القيادة إلى كل من ساهموا في إقامة هذا المؤتمر. مجرد إقامته. لأن هذا في حد ذاته نجاح مهم جدا. وكل ما بعده إضافة إلى النجاح. 


الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكل من شاركوا في تحقيق هذا المؤتمر، شكرا. لقد قدمتم نموذجا للإصرار وتحدي الظروف الصعبة. 



هل الحياة "بقى لونها بمبي"؟


أبدا. الحالة كانت متدهورة صارت "مستقرة"، بالمعنى الطبي لكلمة "حالة مستقرة". لو كانت هناك إدارة طبية في العالم تستطيع أن تعالج مصابة بكسور مضاعفة فورا، بكبسة زر، لتوقعنا من إدارة حكم أن تفعل الشيء نفسه. هذا لو افترضنا أن حال مصر سياسيا كان مساويا لحال مصابة بكسور مضاعفة طبيا. الحالة أكثر تدهورا من ذلك. 


لكننا تعلمنا من مشاهدات الحياة أن الجروح تلتئم بالتدريج، والكسور تنجبر بالتدريج. كما تعلمنا أن الحياة لا تنتقل من الأبيض إلى الأسود، بل تتنقل في الظلال والألوان اللانهائية بينهما. 


وهكذا أيضا قصة المؤتمر الاقتصادي. إنه كإدارة الحكم الحالية. ليس رمز الكمال الذي لم يأته الباطل من أي ناحية. بل عانى من عيوب "التفنيش" المعتادة، في تسجيل أسماء الوفود، وفي انتظام الوفود بينما تدخل إلى المؤتمر، وفي وجود علامات إرشادية واضحة لأماكن الخدمات وأماكن المواصلات وأماكن ركن السيارات. آفة مشاكل "الفينيش" أنها تنفذ إلى الانطباعات وتحتلها، ولا سيما عند الطرف الذي ينقل هذه الانطباعات - الإعلام. نحن الإعلاميين نعلم أن قصصنا عن تفاصيل المشاريع لا تروج كقصصنا عن "نوادر المؤتمر". 


ليس "التفنيش" فحسب، بل إن التشريعات الخاصة بالاستثمار غير محسومة نهائيا حتى الآن. هذا مؤشر إلى قضية أخطر تخص تشابك التوجهات داخل النخبة السياسية الحاكمة، ومنعكس في جهات الإعلام المعبرة عنها. بعضها يعتقد أنه لا يزال قادرا على إدارة استثمار ناجح بقوانين وممارسات سياسية عفى عليها الزمن. الشفافية والوضوح ضمانة رأس المال التي لا يستغني عنها.


ولعل وجود مشاريع فعلية، مقرونة بشروط تنفيذ، يغري هذا البعض بعيدا عن الخطاب الاقتصادي الموروث من حكومات مركزية متسلطة، تجذب قلة من رأس المال الاحتكاري، وتنفر أضعافه من مشترطي المنافسة العادلة.



إدارة الاقتصاد رحلة لا تنتهي. المؤتمر الاقتصادي محطة مهمة فيها. لكن الرحلة لا تزال تحتفظ بكثير من التحديات. 


مرة أخرى نضع الأمور في سياقها. لا يمكن أن نقيس إنجازا سياسيا بمقارنة المسافة التي قطعناها بكل المسافة التي ينبغي أن نقطعها، بل يجب أن نقارن المسافة التي قطعناها بالمسافة التي توقعنا أن نقطعها حتى هذه اللحظة. وأن ننبه إلى العيوب لأنها الخطوة الأولى نحو الإصلاح، وليس بمنطق "الفضيحة" والإحباط والغل. بهذا السياق فإن ما أنجزته إدارة الحكم حتى الآن، في ظل هذه التحديات، يدعو إلى التفاؤل بمزيد من التحسن. شكرا.