الحكومة الجديدة: هل ظهرت ملامح السيسي؟
أبرز مشكلات أي إدارة جديدة هي الإدارة السابقة، بغض النظر عن التقييم التفضيلي لأي من الإدارتين على الأخرى.
إما أن يكون أشخاص الإدارة السابقة مسيطرين على مفاصل حيوية، أو بطيئين في استيعابهم الاستراتيجية الجديدة بحكم التعود، هذا بافتراض وجود رغبة في التغيير، أو عاقدين العزم على إفشال الإدارة الجديدة لإثبات صحة موقفهم وتبرئة ساحتهم من التقصير.
لا بد أن إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي عانت من هذا أيضا. ولا بد أنها كانت أمام ثلاثة خيارات، إما الحسم من أول يوم، وليس هذا ممكنا بسبب ظروف الإرهاب، والمشهد السياسي المجتمعي الذي تولت فيه الإدارة الجديدة. وإما التدرج، وإرضاء فئات بعينها بشخصيات بعينها حتى الوصول إلى لحظة إحكام الزمام. وإما ملاعبة الفئات المختلفة بلعبة الكراسي الموسيقية. بحيث تحافظ الإدارة دائما على حال تجمع فيه من التأييد ما يكفيها. وتحافظ على أمل التقريب ومخافة الإبعاد حيا لدى جميع الفئات.
التغيير الوزاري الأخير شهد عودة رجال "الأمن الوطني" إلى منصب الوزارة. لكن من؟ اللواء مجدي عبد الغفار، الذي أسند له المجلس العسكري من قبل مهمة إعادة إحياء الجهاز على أسس جديدة، أُطلِق عليها في حوار مع المذيع شريف عامر (الشرطة الديمقراطية). ليس موضوعنا هنا اختبار مدى هذه الديمقراطية. إنما موضوعنا هوأإن الدولة تنتقل نحو فلسفة السيسي.
فاللواء مجدي عبد الغفار، كما لاحظ كاتب صحفي، يكاد يكون "سيسي الداخلية". والقصد أنه عمل في أمن الدولة، جهاز أمن في قلب جهاز أمن، كما عمل الرئيس السيسي في المخابرات الحربية. وأن كليهما ظهر اسمه بعد 25 يناير 2011.
وفي إطار هذا الانتقال نحو شخصية السيسي في الحكم يأتي اختيار وزير الثقافة، الدكتور في جامعة الأزهر.
في سيرة الوزير الجديد، د. عبد الواحد النبوي عبد الواحد، جسر يربط القديم (الأزهر، ودار الوثائق) بالحديث النسبي (شارك في كتاب عن فترة حكم محمد علي مع دكتور يونان لبيب رزق).
عمله هذا يذكرنا بحدود "الدولة الحديثة" طبقا لمفهوم إدارة الحكم كما تراه إدارات الحكم القادمة من المؤسسة العسكرية. تغييرات يجب ألا تفاجئ المجتمع، ولا تفاجئ السلطة، بل تبقى قيد توجيهاتها وتحت إشرافها، ومحكومة بأغراض كـ "شحذ الشعور الوطني" أو "حماية الأخلاق". الثقافة تعامل على أنها ترس، مصمم مسبقا، في آلة خرط المجتمع، بدل أن تكون منفذا يعبر فيها المجتمع عن نفسه.
الوزير في أول تصريح له قال إنه سيدعم الأفلام المرتبطة بالتوجه الوطني. وتعهد بانتهاء عصر الإسفاف. كما اقترح أن يقدم قائمة بروايات "هادفة" للمنتج محمد السبكي لكي يختار من بينها، ولم يجد من يقدم له نصيحة بأن يترك السبكي لحاله وأن يضيف إلى سوق السينما ما يريد، بدلا من صرف مجهوده لتوجيه السبكي وتقويمه.
لدى الأكاديميين والسياسيين والمناضلين والوعاظ مشكلة مع فهم ماهية السينما والفن عموما. لو قصرنا نافذة الإبداع على "المرتبط بالتوجه الوطني"، فهذا يعني العمل داخل صندوق محدود، وسأنشغل بمساحة ضيقة جدا من مساحة العمل الثقافي.
ولو أخذنا في الاعتبار أن الرئيس السيسي - على خلاف سابقيه من الرؤساء القادمين من المؤسسة العسكرية، أول رئيس ولد وتعلم ونشأ في ظل دولة يوليو ومدارسها ومفاهيمها وشعاراتها، ولم يجرب نموذجا آخر، لفهمنا أنه يختار وزير ثقافة أقرب إلى نموذج دولة يوليو هذا.
من المبكر جدا استنباط توجه وزير لم يمض عليه في الوزارة أسبوع، حتى لو كانت تصريحاته تجعله أقرب إلى "وزارة الإرشاد والتوجيه" منه إلى وزارة الثقافة. فلعل التصريح له سياق مختلف. غدا نرى.