فين الدولة؟
السؤال مُوجع وسببه أن بعضًا من أهل قرية "الجلاء" بمركز "سمالوط" في محافظة "المنيا" رفضوا رفضًا قاطعًا توسعات في كنيسة القرية التي تضم نحو 1500 مسيحيّ.
الكارثة أن الحكومة، وعلى رأسها الأمن، كانوا وسطاء بين المتطرفين وبين أصحاب الحق. يحاولون إقناعهم، ويحاولون نقل شروطهم إلى الطرف المسيحيّ. مسخرة أن تكون الحكومة وسيطًا بين طرفين في نزاع، أحدهما مجرم يعتدي على حقوق غيره، في حين أن دورها الوحيد هو تطبيق القانون على أي من يكون.
التفاصيل سخيفة ومُهينة، ليس فقط للمسيحيين في هذه القرية المنكوبة بالتطرف، ولا لعموم المسيحيين، مهينة أيضًا لأي مصريّ يتصور أن له حقوقًا، فيمكن أن تضيع لأن مجرمًا قرر سلبها. فقد اشترط هؤلاء المتطرفون بعد مفاوضات مع الأمن وممثلي الحكومة أن يتم بناء الكنيسة بدون مآذن ولا صلبان ولا جرس. وألا يكون لها بابٌ على الشارع الرئيسي، وألا تزيد التوسعات عن 400 متر، وألا يزيد الارتفاع عن طابق واحد، رغم حصولهم على التصريحات والموافقات القانونية.
ليس هذا فقط ولكن كما قال الأستاذ ياسر يوسف على صفحة "تاريخ الأقباط" على "فيس بوك"، اشترطوا أيضًا أن يحضر ممثلون لهم أثناء عملية التوسع للتأكد من تنفيذ شروطهم.
يعني الأمن والحكومة يضغطون على الضحية وليس على المجرم؟
نعم، كان دورهم "محايلة المعتدي" على حقوق غيره. والضغط على صاحب الحق. وعندما رفض الأقباط هذه الشروط المهينة وأصروا على تنفيذ القانون، طلب منهم مدير الأمن تأجيل التوسعات في كنيستهم إلى أجل غير مسمى.
وبالطبع كما هو متوقع مدير الأمن لم يتخذ أي إجراء ضد الذين قذفوا بيوت المسيحيين بالأحجار وهم يرددون "إسلامية اسلامية". الأمر مُخزٍ ولا يجب السكوت عليه، فلا تفاوض مع أي من كان على حقوق. فهناك حقوق أساسية لكل المصريين، لا يجب أن تخضع لمثل هذه المواءمات الرخيصة. ولا يجب أن يتم الاعتداء عليها من أي من كان حتى لو كان رئيس الجمهورية.
ما معنى هذا؟
معناه أن الحكومة على بعضها لا نرى منها هيبة الدولة، التي وعدنا بها مناصروها ومناصرو النظام الحالي. فالحقيقة المؤسفة هي أننا لم نرَ فقط القمع ضد الخصوم السياسيين. الاعتداء على المتظاهرين وقتلهم. والتسامح والترحيب بالتظاهرات المؤيدة للنظام الحالي ومعها تظاهرات مجرمين في هذه القرية المنكوبة.
لماذا تفعل الحكومة ذلك؟
لأنها في الحقيقة تواجه الإرهابيين، عندما ينازعونها على السُلطة مستخدمين السلاح، أما إذا كان هذا الإرهابي يعتدي على حقوق غيره من المواطنين دون استخدام سلاح، تتسامح معه الحكومة ومؤسسات الدولة لأقصى مدى، ربما هذا يفسر لك التسامح الشديد مع السلفيين، الذين يشكلون الظهير الفكري والسياسي للإرهابيين الذين يحملون السلاح، ينشرون الكراهية وتكفير الناس، منهم ياسر برهامي ومنهم محمد حسان، فهؤلاء حلفاء سياسيون، لا ينازعون السيسي السُلطة.
هل هذا يعني أن لا نساندها ضد الإرهاب؟
بالطبع نرفض الإرهاب رفضًا قاطعًا، لكن في ذات الوقت يجب أن نرفض إرهاب السُلطة التي تقتل وتعذب في أقسام الشرطة والسجون، نرفض وبحسم الاعتداء على متظاهرين سلميين وقتلهم وسحلهم، نرفض العصف باستخدام آليات النيابة والقضاء، كما يجب أن نرفض وبحسم جرائم الشرطة في الاعتداء على قرية منكوبة في الصعيد، سحلوا رجالها وألقوا بهم في السجون وحطموا بيوتهم، كما نرفض تواطؤ الحكومة ومؤسسات الدولة مع حلفائهم من المتطرفين.
لماذا يصمت السيسي على كل ذلك؟
الحقيقة لا أعرف، بل ودعني أقول لك إنني مندهش. فإذا كان الرجل وكما يقول يريد تجديد الخطاب الديني، فكيف يصمت أمام مجموعة من المجرمين في هذه القرية المنكوبة، ولماذا لا نعرف حتى الآن ماذا جرى في تحقيقات النيابة مع مجرمي الشرطة الذين سحلوا أهل قرية قبطية كاملة وغيرها وغيرها من الجرائم والانتهاكات المروعة.
ما هي مشكلته في أن يُرسي دولة القانون، ما هي مشكلته في أن تعمل مؤسسات الدولة بشكل صحيح، أقصد شكل محترف ولصالح المواطنين وليس ضدهم؟
اسئلة معلقة في رقبة السيد الرئيس. فالحقيقة أنه ليس له عذر. فهو ابن المؤسسة الأقوى في بلدنا، وخلفه شعبية، فلماذا لا يعيد بناء بلد ديمقراطي حر، بلد يسود فيه العدل والقانون على الجميع؟
ليس لدي إجابة، ولكن المؤكد لي، أن بقاء الحال من المحال.