التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 07:34 م , بتوقيت القاهرة

بهدوء.. للرئيس هادي ولأنصار الله وللجميع

منذ العام 2011م تتعاطى المكونات السياسية في البلد مع العملية السياسية الجارية فيه منذ ذلك التاريخ، وهي ما بين مَنْ لا يعي أو من يتجاهل أو  مَنْ لا يركز -  عمليا-  على ما هي طبيعة هذه العملية السياسية الخاصة التي لا تأتي في مساق العمل السياسي الطبيعي الذي يتم في حالة استقرار مختلف أوعية الدولة ووضح كامل لحدود العمل السياسي، ووجود للآليات المنهجية للحسم في أي خلاف بين المكونات السياسية.


يتمحور العمل السياسي ابتداءً حول شغل الأوعية المختلفة للدولة، وما يتطلبه ذلك من الحصول على شرعية للوجود في أي منها من الرئاسية إلى التشريعية إلى التنفيذية، والحصول على حق التصرف بسلطة تلك الأوعية مع  تحمل مسؤولية التصرف بموجب تلك السلطة، وفي الوضع الطبيعي تأخذ العملية السياسية شكل التنافس البرامجي أو بالمواقف تجاه الشؤون العامة، ويكون لهذا التنافس مداه، فإما أن تتمكن المكونات السياسية من حسم اتفاق فيه، أو يتم اللجوء إلى الآليات المعتمدة للحسم كالآليات الديمقراطية المعروفة، التي تحسم في أي خلاف أو أي تنافس، تبعا لتصويت أو انتخاب أو قرار طرف مخول بقرار الحسم .


عندما تكون مؤسسات الدولة مستقرة وحدود العمل السياسي واضحة والآليات المنهجية للحسم السياسي قائمة ومؤهلة لا يكون للعمل السياسي آثار سلبية على البلد والمجتمع، مهما بلغت حدة الخلاف أو مستوى التنافس، بينما يكون العمل السياسي في وضع لا يتوفر فيه ذلك،  مصطحبا لقدر كبير من السلبيات، ويزيد من حجم التعقيدات ولا يفضي إلى حل لأي مشكلات سياسية، وبالتبعية تضطرب أوضاع البلد وتسوء حياة المجتمع في مختلف جوانبها؛ نتيجة لتّنافس السياسي غير المحكوم وغير المنهجي وغير المسؤول، ويتحول إلى نوع من العبث والتخبط غير المفضي إلى نتيجة وغير قاصد لهدف.


تراوح البلد منذ العام 2011م في وضع استثنائي، لا تقوم فيه الدولة بوضعها المنهجي، ولا تقوم الأوعية المختلفة لها "الرئاسية، والنيابية، والحكومية" بالصورة كاملة الأهلية، ولا تتوفر آليات الحسم السياسي والديمقراطي بالشكل المؤهل الذي يُمكنها من القيام بدورها، وبالتالي واقع البلد يمر بمرحلة استثنائية أو كما يسميها السياسيون فترة انتقالية، والضابط الوحيد فيها هو الاتفاقات والرعاية الدولية والأممية لتلك العملية، وما قد يتوفر للمكونات السياسية من الحرص على الخروج بالبلد مما هو فيه إن صدق ادعاؤها بذلك.


الأمر الذي لا يجب أن يغيب عن أنظار السياسيين في البلد والمتعاطين مع الشأن السياسي كذلك، هو أن الهدف من هذه العملية المستمرة  من الـ 2011م وحتى اللحظة هو تهيئة الوضع في البلد لملء أوعية الدولة المختلفة وفق آليات منهجية ومؤهلة للحسم السياسي، وفي مقدمة هذه الآليات اللجنة العليا للانتخابات والسجل الانتخابي، وأن يتوفر عدد من المواصفات التي تضمن أن من ستقع في يده  السُلطة  سيستخدمها بما يحقق المصلحة العامة، وأن تكون هناك مؤسسات قادرة على أن تُحمّله مسؤولية سوء استخدامه لتلك السلطة إذا ما أساء .


في ضوء المفهوم السابق يجب على جميع المكونات السياسية أن ترتب وتحدد مواقفها وخطواتها تجاه العملية السياسية الانتقالية الجارية في البلد، وأن تعمل ما تستطيعه كي تصل  هذه العملية إلى الهدف منها،  و أن تبتعد هذه المكونات عن المضي في صراعات وخلافات تطرأ نتيجة بعض التفاصيل الناتجة عن تفاعلات الواقع الانتقالي الحاصل في البلد، و أن تقدم أقصى التنازلات  الممكنة تجاه هذه التفاصيل  بحيث لا تصبح سببا في حرف مسار العملية السياسية برمته، ومنعها من تحقيق هدفها أو تأخير زمن الوصول إليه أو زيادة تعقيداته ورفع حجم التضحية التي يدفعها البلد والمجتمع في سبيل تحقيق ذلك الهدف.


مؤخرا طفت على السطح العديد من هذه التفاصيل، وباتت الأطراف السياسية تتعامل معها وكأنها صلب العملية السياسية، و تتشدد تجاهها بشكل مفرط،  وتربط مصير العملية السياسية برمتها بها، وكأنّ هذا النوع من التعامل تجاه تلك التفاصيل  هو الذي سيكون فيه حل مشكلة البلد وإخراجه من الواقع الانتقالي الذي يراوح فيه،  مع أن الجميع يمكنه بشيء من إمعان النظر أن يدرك  أن الحسم في هذه التفاصيل لن يفيد في كثير، فمن شرعية مجلس النواب إلى شرعية الرئيس هادي إلى مكان الحوار إلى غير ذلك من التفاصيل، التي لا يترتب على التعامل معها كما سبق إلا مزيد من إهدار الوقت ورفع  حجم التضحية التي يقدمها البلد والمجتمع، وقد بات التشدد تجاهها يهدد تمكّن العملية السياسية الجارية من بلوغ الهدف الذي جاءت من أجله، والذي تدور من حوله منذ العام 2011م .


يجب على المكونات السياسية في البلد بلا استثناء أن تتفهم وتعي أن الهدف هو ما يجب أن يتم العمل عليه؛ لأن فيه الخلاص من المناكفات السياسية الحاصلة، وأن المناكفات الحاصلة لا تُقدم ولا تُؤخر، بل تزيد التعقيد و الصعوبات أمام تحقيق الهدف، وأن تقديم التنازلات تجاه قضايا المناكفات هذه والسماح باستمرار سير العملية السياسية  هو الذي سيخرج البلد مما هو فيه، ويهيئه للاستقرار وللبدء في السير في طريق بناء الدولة التي ينشدها الجميع أو يُفترض ذلك.


أصبح لدينا منظومة جاهزة وجيدة تعرف بمخرجات الحوار الوطني، وهي منظومة توافق عليها الجميع ويشوبها فقط وجود عدد محدود من النقاط التي تحتاج للمعالجات وليس للتجاذب والصراع حولها أو انطلاقا منها، وصولا لإهدار باقي ما تحتويه  هذه المنظومة، وبالتالي وضع  البلد في مهب الريح.


ولعل أهم نقطة من هذه النقاط  أو ربما هي النقطة الوحيدة الباقية بعد مجاوزة الزمن لنقاط أخرى هي نقطة الأقاليم، وهي نقطة تم الاتفاق في اتفاقية السلم والشراكة على إعادة النظر فيها، وصولا بها إلى حالة الإجماع الوطني، وهذا الأمر لا زال متاحا إذا ركزت المكونات السياسية على النجاح في بلوغ هدف العملية السياسية الانتقالية الأصلية .


وعلى ذلك فما يتوفر لنا هو  بنية جيدة فقط، تتطلب اتزان في التعاطي السياسي تجاه التفاصيل التي يفرضها الوضع الانتقالي في البلد، وسيمكن حينها للبلد أن يعبر ويخرج من وضعه الراهن دون مزيد من التضحية الزمنية والتكاليفية.


آخر أزمة يمر بها البلد، والتي أصبحت تعيق استكمال المسار الانتقالي،  وباتت تهدد العملية السياسية الانتقالية الجارية برمتها ، و قد تذهب بالبلد إلى مدى متوسط وطويل من "اللاستقرار"، هي ما تعرف بأزمة "اتفاق السلم والشراكة"، التي وصلت الآن إلى ذروتها بوجود إرادتين متصارعتين في البلد ما ضاعف من التعقيدات أمام العملية السياسية، وهي من المخاطر المستقبلية التي قد يواجهها البلد .


وأول ما يجب تفهمه تجاه هذه الأزمة أن استمرار التعاطي معها بالأسلوب المتشدد الحالي، سيعكس منحنى الاستقرار في البلد تماما، فخلال الفترة من الـ 2011 م وحتى اللحظة يفترض بالعملية السياسية ان تسيّر هذا المنحنى من نقطة الاضطراب التي تم تحاشيها نزولا إلى نقطة الاستقرار التي يتم العمل عليها عبر هذه العملية السياسية الجارية، بينما استمرار التعاطي مع هذه الأزمة بالأسلوب الحاصل حاليا سيعكس اتجاه المنحنى إلى حالة تصاعدية من "اللاستقرار"، ستزداد مع مرور الوقت وستهدر الجهد الذي بُذل خلال الفترة الماضية بكامله، و ستدخل البلد في حالة من الاضطراب الواسع  على المديين المتوسط والطويل.


يجب أن تُكرس المكونات السياسية جميعها، وفي مقدمتها فخامة الرئيس هادي وجماعة أنصار الله، أداءها السياسي ومواقفهما على الأرض في سبيل التقارب، ومجاوزة هذه الأزمة، والعودة بالعملية السياسية إلى مسارها المفترض والموصل للهدف المنشود، وهذا الأمر لن يتم إلا من خلال النظر إلى هذه الأزمة كنتيجة لمقدمات تفاعلت منذ الـ 21 من سبتمبر 2014م وصولا إلى ما هو حادث اليوم.


ولاشك أن علاج هذه الأزمة لن يكون إلا بإيجاد الحلول لمسبباتها تلك التي هي قائمة على الأرض، وطالما تم التهرب من مواجهتها منذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة. وبات من الحتمي مواجهة الحقيقة الآن من الجميع أو ستنحرف العملية السياسية عن هدفها تمامًا، وسيخسر الجميع بلا استثناء، وسيكون من يتعنت تجاه إيجاد الحلول لتلك المقدمات مسؤولا عن  إدخال البلد في حالة "اللااستقرار" المتوسطة والطويلة الأجل مهما أوجد لنفسه من الذرائع.


كي لا أطيل فوق الإطالة الحاصلة.. ما يجب أن تتمحور حوله المفاوضات الآن هو وزن معادلة الشراكة مقابل الهيمنة، ووزن هذه المعادلة لا يتطلب الجلوس للتفاوض حول مدى شرعية الرئيس أو  هل يكون رئيسا أو مجلس رئاسي أو وضع المؤسسة التشريعية أو مكان انعقاد الحوار، وإنما يتطلب مواجهة الحقيقة وبدء الخوض في الترتيبات المطلوبة في ثلاث مؤسسات وبالتفصيل، و هي مؤسسة الجيش والمؤسسة الأمنية والمؤسسة الرقابية، ويجب التوصل لمصفوفة  متفق عليها، يشارك في إعدادها المختصون إلى جانب السياسيين.


وتتضمن مجموعة من الإجراءات والخطوات والتعيينات والتجهيزات والمهام والصلاحيات وكافة التفاصيل التي بتنفيذها يصبح وضع هذه المؤسسات وطنيا ومهنيا وفاعلا وبالتوازي يتم تسليم مؤسسات الدولة بشكل كامل  ويوقف التدخل في أعمال الحكومة و تسلم الأسلحة المحرزة بعد ال 21 من سبتمبر وعودة العملية السياسية والإدارية إلى مسارهما الطبيعي، ومن ثم الانطلاق لإصلاح نقاط الاختلاف العالقة من إعادة تشكيل هيئة تنفيذ مخرجات الحوار مثلما هو متفق عليه في الحوار الوطني، وكذلك عودة التعاطي مع مسألة الأقاليم للوصول بها إلى حالة الإجماع الوطني، والسير في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مخرجات الحوار الوطني وفي اتفاق السلم والشراكة واستكمال تهيئة البلد للسير في العمل السياسي بصورة طبيعية.


بالطبع هناك تفاصيل أخرى يجب التفاهم حولها وإيجاد معالجات لها انطلاقا من نفس المفهوم ونفس النظرة للمرحلة الانتقالية التي تراوح فيها البلد،  وما ذكرته أعلاه هو محور المعالجة للأزمة الحاصلة ومنع تفاقم الوضع وصولا لإهدار العملية السياسية الخاصة هذه، وهو ما لا نتمناه ولا يتمناه حتما أحد للبلد، لأن تبعات ذلك ستكون سيئة على الجميع بلا استثناء .