التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 07:35 ص , بتوقيت القاهرة

4 سنوات على هدم كنيسة أطفيح.. هل كانت الحادثة الأولى بمصر؟

في مثل هذا اليوم في عام 2011، تجمهر عدد من أهالي قرية صول بأطفيح بالجيزة، أمام كنيسة الشهيدين مارمينا ومارجرجس، وقاموا بهدمها وحرقها وسط صيحات "التكبير"، وذلك على خلفية شائعة ترددت وقتها تؤكد وجود علاقة بين رجل مسيحي بامرأة مسلمة من أهالي القرية، وشائعات أخرى عن وجود أعمال سحر بالكنيسة.




ربما سمع المصريون عن حرق الكنائس، أما فكرة "هدم الكنائس"، فكانت تعتبر بمثابة مفاجأة، إلى درجة اعتقاد البعض أنها الحادثة الأولى من نوعها في التاريخ. إلا أن كتب التاريخ تقر بأنها مجرد إعادة نتاج لظاهرة انتشرت في ظل دولة الخلافة، والتي أدت لبقاء عدد قليل جدا من الكنائس الأثرية حتى اليوم.


فيديو لهدم كنيسة أطفيح

 


في عهد يزيد بن عبدالملك


يذكر عدد من المؤرخين وقائع هدم الكنائس على يد الحكام، ولا تتسع المساحة لذكرها جميعا، ولكن على سبيل المثال لا الحصر، يذكر المقريزي هدم عدد من الكنائس ضمن سلسلة إجراءات متعسفة ضد الأقباط في عهد الخليفة يزيد بن عبدالملك (105-101هـ )، فيقول في الجزء الرابع من مجلده "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار": "ثم هُدمت الكنائس وكُسرت الصلبان ومُحيت التماثيل وكُسرت الأصنام بأجمعها، وكانت كثيرة، في سنة مائة وأربع، والخليفة يومئذٍ يزيد بن عبدالملك".


في العصر العباسي


بدأ الوالي العباسي سليمان بن علي (169-171هـ) فور توليه "ولاية مصر"، في هدم عدد من الكنائس التي يذكر المقريزى بعضا منها بالاسم فيقول: "وهُدمت الكنائس المحدثة بمصر، فهُدمت كنيسة مريم المجاورة لأبي شنودة بمصر، وهُدمت كنائس محارس قسطنطين، فبذل النصارى لسليمان بن علي أمير مصر في تركها 50 ألف دينار، فأبى".


وفي الوقت الذي أمر فيه الخليفة العباسي، المتوكل على الله، (205-247 هـ)، بإلزام المسيحيين بارتداء زي مختلف عن زي المسلمين، يذكر "تاريخ الطبري" في جزءه التاسع أن الخليفة "أمُر بهدم بيعهم المحدثة".


الحاكم بأمر الله


لعل عصر الحاكم بأمر الله (386- 411 هـ)، كان هو العصر الذهبي لهدم الكنائس، فعلى سبيل المثال، يذكر المقريزي أنه "نزل بالنصارى شدائد لم يعهدوا مثلها"، ثم يكمل: "قبض على جميع ما هو محبس على الكنائس والديارات وأدخله في الديوان، وكتب إلى أعماله كلها بذلك، وأحرق عدّة صلبان، ومنع النصارى من شراء العبيد والإماء، وهدم الكنائس التي بخط راشدة ظاهر مدينة مصر، وأخرب كنائس المقس خارج القاهرة، وأباح ما فيها للناس، فانتهبوا منها ما يجل وصفه، وهدم دير القصير، وانهب العامة ما فيه".


ثم يتابع المقريزي: "وأخذ في هدم الكنائس كلها وأباح ما فيها، وما هو محبس عليها للناس نهبا وإقطاعا، فهُدمت بأسرها ونهب جميع أمتعتها وأقطع أحباسها، وبني في مواضعها المساجد، وأذن بالصلاة في كنيسة شنودة بمصر، وأحيط بكنيسة المعلقة في قصر الشمع"، ويؤكد انتشار الظاهرة فيقول: "عم الهدم فيها لمدة تزيد عن السنتين من الهياكل التي بناها الروم والكنائس ونهب ما فيها وقبض على أوقافها".


ويؤكد جلال الدين السيوطي، نفس الواقعة، فيقول في الجزء الثاني من كتابه "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة"، ويحدد تاريخ وقوعها فيقول "في سنة ثمان وتسعين م (389هـ) هدم الحاكم الكنائس التي ببلاد مصر، ونادى: من لم يُسلم فليخرج من مملكتي، أو يلتزم بما أمر".


وانتهت تلك الأيام العصيبة باختفاء الخليفة الحاكم، في ظروف غامضة، وإن كان أغلب المصادر تشير إلى مقتله على يد شقيقته "ست الملك".


نص من كتاب للسيوطي يؤكد هدم الحاكم بأمر الله لعدد من الكنائس عام 389هـ



أصول فقهية


أستند مَن أمر من الولاة والحكام بهدم الكنائس في ظل دولة الخلافة، على أحكام فقهية، لخصها ابن القيم الجوزية في مجلده الضخم "أحكام أهل الذمة"، حيث قسم عقود الذمة بالنسبة لمسألة الكنائس إلى 3 أقسام، أولا: بلاد أنشأها المسلمين كالبصرة والقاهرة، فهذه يجوز فيها الإبقاء على الكنائس الموجودة دون بناء كنائس جديدة.


وثانيا: بلاد أنشئت قبل الإسلام، فافتتحها المسلمون عَنوة، وهذه لا يجوز فيها بناء ولا ترميم أي كنيسة، واستند في ذلك للعهدة العمرية التي عقدها مع نصارى الشام التي رفض فيها تجديد الكنائس المهدمة، وقال ابن القيم إنه لولي الأمر حرية التصرف في الكنائس التي بنيت قبل الفتح، وإن كانت آراء لبعض أصحاب الشافعي تقضي بوجوب هدمها.


ويقول بن تيمية في هذا الأمر: "إنَّ علماء المسلمين مِن أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم مِن الأئمَّة، متَّفقون على أنَّ الإمام لو هدَم كلَّ كنيسة بأرض العنوة كأرض مصر والسَّواد بالعراق وبر الشام، ونحو ذلك مجتهدا في ذلك ومتبعا فيه لمَن يرى ذلك، لم يكن ذلك ظلما منه، بل تجب طاعتُه ومساعدته ممَّن يرى ذلك، وإن امتَنعوا عن حُكم المسلمين لهم كانوا ناقِضين العهدَ وحلَّت بذلك دماؤُهم وأموالُهم".


وثالثا: البلاد التي فتحت صلحا، والتي أجاز البعض "إحداث ما أراده أهل الذمة من بيع بموافقة ولي الأمر".