التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 12:40 ص , بتوقيت القاهرة

الخليفة واللص واليهودي

ذهب رجل يهوديّ، ذات مرة، يشكو لعمر بن الخطاب من علي بن أبي طالب، وكان جالسًا إلى جواره.. فقال عمر "يا أبا الحسن قم واجلس إلى جوار خصمك"- حتى يتساويا في الجلسة أمام القاضي- ونظرًا لمكانة علي بن أبي طالب الأدبية والدينية، حاول عمر الاعتذار له لأنه أقامه من جواره وأجلسه إلى جوار خصمه اليهودي.


قال الإمام علي "بل أنا عاتب عليك لأنك ناديتني بكنيتي "أبا الحسن" وفيها تكريم وتعظيم. ولم تناديني باسمي مجردا. فخشيت أن يستشعر اليهودي أنك تفضلني عليه. فيقول ذهب العدل من المسلمين".


رمز الإسلام هو العدل بين الناس جميعًا دون الالتفات إلى مكانتهم أو دينهم، هكذا فَهِم عمر وعلي الإسلام، لذلك كانا أحرص الناس على توقيره، ثم يخشون على سمعة الإسلام أن تهتز في عيون الغير فيبالغون في المساواة. حتى لا يكونا دعاية سيئة عنه.


وتكون الصورة الذهنية عن المسلم self image هي الرجل العادل، المتواضع، الذي يؤمن بالمساواة ويخضع للقانون. وليس الذي يرتدي زيا بعينه أو يمتلك شكلا معينا.


فما بالك بالمسلمين الآن يرتكبون كل الجرائم في حق الغير ويشوهون صورته ثم يزعمون أنهم يحبونه! وتوافر العدل في كل بقاع الأرض إلا في أرض الإسلام.. فهل نطبقه حقا. هل فهمناه أصلا!


مرة ثانية وبعد أن صار الإمام علي خليفة المسلمين، منصب الرئيس، سرق أحد اليهود درعه، فلم يرسل الحرس والعسس والجنود ليلاحقوه، ومعه الحق، بل يذهب للقاضي شريح مثله مثل بقية الناس يطالبه بحقه.. فيحضر القاضي اليهودي ويسأل كل واحد عن أدلته. 


اليهودي يحتج بحيازته للدرع، كقاعدة قانونية أن الحيازة للمنقول "شيء يسهل حمله" سند الملكية، و الإمام علي ليس له إلا ابنه الحسن وخادمه قنبر. فيرفض القاضي شهادة الشهود لقرابتهم من علي. ويحكم لليهودي.


ويعجب اليهودي من هذا النظام المُحكم داخل الدولة. لا استثناء لأحد حتى لو كان الرئيس. لا سلطة فوق سلطة الحق والكل سواسية أمام القانون. فاندهش لما رآه ونطق الشهادتين.


تلك شريعة الله. ليست الطقوس والشكليات والهتافات الفارغة. إنما العدل والتواضع والإحسان إلى الناس جميعا.


وكان عمر يحاسب الولاة، الوزراء والمحافظين، كل عام أمام الرعية ويقتص منهم لو ظلموا.. وقالوا يا أمير المؤمنين تهتز صورتنا وهيبتنا أمام الناس. قال لهم قد اقتص رسول الله من نفسه، وكشف عن بطنه لأحد الأعراب، يضربه عليها، ليأخذ حقه من جسده الشريف. فالهيبة يصنعها العدل.


وكان يعد عليهم أموالهم قبل تولي المنصب وبعده. ولو زادت يقتسمها نصف للناس ونصف له.


وفي القرآن تحدث الله إلى نبيه وأوصاه أن يحكم بين الناس بالقسط. بالعدل. وذلك عندما جاءه اليهود يحتكمون إليه ( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الرسول عليه الصلاة والسلام على خلق عظيم ولن يظلم أحدا، إلا أن الله يصر على تكرار الوصية تذكيرا بها وحفظا لأهميتها. الحكم بين الناس بالعدل كقيمة كبرى نلتزم بها، تتجاوز أديان ومعتقدات الخصوم.


وقال الرسول في الحديث الذي رواه الإمام مسلم " إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور على يمينه.. الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا".


الذين يحكمون بالعدل فيما تولوا من شؤون عامة وخاصة، لهم مكانة استثنائية عند الله. ليست الجنة وفقط. بل يصعدون إلى هناك، إلى جوار الله عن يمينه، فوق منابر فخيمة تضيء السماء.


غاية الله في الأرض أن يشعر الناس بالعدل، وأن يوفوا حقوقهم ولا يعانون الظلم والجور والقهر، ومن يمنح الحياة ذلك فلا شيء يكافئ فعله سوى أن يجلس مع الله. رب الأرباب.


ولأن الإسلام يحفظ للإنسان كرامة في ذاته، جسده وروحه وآدميته، ويحرم تحريما شديدا أي ظلم أو اعتداء يقع عليه، فقد قال الرسول، عليه الصلاة والسلام، "من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا، بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة" . البيهقي.


المعاهد هو الكتابي، يهودي أو مسيحي، يقيم في بلاد المسلمين بعهد أمان وسلم، ومن يظلمه أو يسلبه حقه أو يكلفه فوق طاقته فالنبي محمد، بمقامه الكريم، هو من يقف يوم القيامة يترافع عن هذه اليهودي أو المسيحي ويقتضي حقه منك. والحق يومها ليس مالا ولا عقارا. بل حسنات وسيئات. جنة ونار.


انظر مدى الاهتمام بحقوق الناس، حتى لو كانوا على غير الإسلام، أن يقف النبي بذاته يوم يفر المرء من أخيه، ويعطيه حقه. وروى البخاري عن الرسول عليه الصلاة والسلام "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة".


يعني اللي يقتل رجلا من أهل الكتاب يعيش بعهد أمان بيننا، لن يرى الجنة ومصيره إلى نار الجحيم. فإسلام المسلمين يظهر في احترام الكلمة وحفظ العهد وتأمين الناس على أرواحهم. يظهر الإسلام في احترام إنسانية الناس. ومن الممكن أن تحرم من الجنة بسبب واحد على غير دينك.


طاشت رؤانا، واختلت عقائدنا، وشوهنا الإسلام، ووجدنا المسلمين هم الأكثر استهزاءً بأرواح الناس، وأطلقوا الرصاص "عمياني" يحصد أرواح الجميع. يزعمون أن الله أمرهم بذلك. والله ليس كذلك.