التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 11:35 م , بتوقيت القاهرة

عائلة الأتاسي السورية.. من الزعامة إلى الملاحقة

تعتبر عائلة الأتاسي من العائلات الشهيرة في مدينة حمص السورية، واشتهرت العائلة بالإقطاع والثراء، إضافة إلى قيامها بنشاط سياسي محلي خلال عهد الدولة العثمانية، لكن بعد تمكن حزب البعث من حكم سوريا، وتسلم حافظ الأسد مقاليد السلطة، انقسم بعض أقطاب العائلة بين السجن والمنفى.


وكان من العائلة 3 رؤساء لسوريا هم هاشم الأتاسي ولؤي الأتاسي ونور الدين الأتاسي، وعدد كبير من النواب في المجالس النيابية السورية في الفترات الديمقراطية المتقطعة التي عرفتها سوريا، منهم النائب وصفي الأتاسي الذي كان أحد واضعي الدستور السوري الأول، الوزير الدكتور عدنان الأتاسي، والوزير فيضي الأتاسي.


على الساحة السياسية في سوريا، برزت شخصيتان للعائلة، هما هاشم الأتاسي ونور الدين الأتاسي.


مناصب رفيعة


بالنسبة لهاشم الأتاسي، الذي تسلم مواقع قيادية في سوريا، ولد في 6 ديسمبر/كانون الأول 1875، وانتقل إلى إسطنبول بعد إكماله مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية في حمص، حيث أكمل تعليمه في الأكاديمية الملكية، قسم الإدارة العامة ويتخرج منها عام 1895.


الحياة السياسية لهاشم الأتاسي كانت في الدولة العثمانية عام 1898 حين تم تعيينه موظفا رفيعا في ولاية بيروت العثمانية، وبعد نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914 تم تعيينه محافظا على حمص وحماة وبعلبك ويافا والأناضول، وإن كانت ولايته أشبه بولاية شرفية، إلا أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وقف الأتاسي في صف الوطنيين المطالبين بالاستقلال عن الدولة العثمانية، وانتخب عضوا في المؤتمر السوري العام أول برلمان سوري في التاريخ، ضم أقطار بلاد الشام الأربعة في يونيو/حزيران 1919، وانتخب رئيسًا للمؤتمر.



العهد الملكي


بمبايعة فيصل الأول ملكا على سوريا، تم إعلان قيام المملكة السورية العربية في الثامن من شهر مارس/آذار عام 1920، وكان ذلك بإجماع أعضاء المؤتمر السوري العام، وكلف الأتاسي رئاسة لجنة صياغة دستور المملكة، فأقر في يونيو/حزيران 1920، غير أنه لم يعمل به سوى لفترة قصيرة، بسبب سقوط المملكة.


كلف الملك فيصل الأول هاشم الأتاسي لتشكيل الحكومة، بعد استقالة حكومة الركابي الثانية، في 2 مايو/أيار 1920، وبذلك كان ثاني من شغل منصب رئيس الوزراء في سوريا، غير أن عمر حكومته كان قصيرا، حيث تلقت الحكومة الإنذار الشهير من فرنسا، عرف باسم إنذار غورو، ثم قبلته الحكومة في 13 يونيو، وتذرع هنري غورو قائد الجيوش الفرنسية في الشرق بأنه لم يصله قبول الحكومة بالإنذار، ولذلك زحف إلى دمشق من بيروت في 21 يوليو/تموز ليتم احتلال دمشق في 25 يوليو/تموز.


بعد ذلك انتقلت الحكومة ومعها الملك إلى الكسوة، وقدمت استقالتها في اليوم نفسه، وتشكلت حكومة برئاسة علاء الدين الدروبي موالية للانتداب، وبعدها بثلاث أيام نفي الملك فيصل وبذلك انتهت المملكة السورية، بعد أن مكث الأتاسي في رئاستها حوالي 3 أشهر.


الكتلة الوطنية


أثناء فترة الاحتلال الفرنسي، أعلن الأتاسي مع مجموعة من الناشطين المناهضين لفرنسا ميلاد "الكتلة الوطنية" التي اضطلعت بدور بارز في الحياة السياسية السورية حتى 1963، وانتخب الأتاسي رئيسًا للكتلة وعضوا دائما في مكتبها، بعد ذلك ترأس الجمعية التأسيسية لوضع دستور للبلاد عام 1928، ووجهت له مهمة وضع الدستور السوري الثاني، وقد نص على كون النظام جمهوريا برلمانيا.


اعتقل الفرنسيون الأتاسي بعد الاحتجاجات التي شهدت سوريا عام 1930 بسبب عدم نشر الدستور والدعوة لانتخابات نيابية، وتم نقله إلى جزيرة أرواد السورية؛ وفي عام 1932 دعت لانتخابات نيابية أسفرت عن فوز الكتلة الوطنية بـ 17 مقعدا من بينهم الأتاسي، غير أن أغلب المؤرخين يرون تلاعبًا قامت به فرنسا في إعلان نتيجة الانتخابات.



ضغوط للاستقالة


بعد تقديم الرئيس السوري محمد علي العابد، استقالته في 21 ديسمبر/كانون الأول 1935، لأسباب صحية انتخب هاشم الأتاسي رئيسًا.


بعد ضغوطات أقطاب سياسية، ومماطلة فرنسا في إنهاء الانتداب في سوريا، واقتطاع جزء من الأراضي السورية وضمها لتركيا، قدم الأتاسي استقالته في 7 مايو/أيار 1939 وقال في بيان الاستقالة، إن فرنسا تواصل المماطلة حول الاستقلال السوري وسحب كامل الجيوش الفرنسية، فضلاً عن إعلان لواء إسكندرون دولة مستقلة عام 1938 ثم انسحاب الجيوش الفرنسية منه لتدخلها الجيوش التركية عام 1939.


عاد الأتاسي إلى حمص، ورفض المشاركة في النشاط السياسي معلنًا تقاعده، إلا أن الأوضاع السياسية في سوريا لم تكن على مايرام حيث علق العمل بالدستور وأعيد الحكم الفرنسي العسكري المباشر واستمر الوضع طوال فترة الحرب العالمية الثانية على حاله.


خلال الأزمة الحكومية عام 1947 عرض الرئيس شكري القوتلي على الأتاسي أن يغدو رئيسًا للوزراء بحيث يرأس حكومة وحدة وطنية، اشترط الأتاسي في حال قبوله تشكيل الحكومة الحد من صلاحيات الرئيس التي كانت متزايدة بما لا يتوافق وأحوال الجمهورية النيابية، غير أن القوتلي رفض.


الانتخاب ثانيا


في آذار/مارس 1949 تمت الإطاحة بالقوتلي على يد رئيس أركان الجيش حسني الزعيم ليطيح به انقلاب عسكري آخر في أغسطس/آب 1949 بقيادة سامي الحناوي الذي دعا الأتاسي للعودة عن تقاعده وتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على انتخابات من شأنها استعادة الحكم المدني.


انتخب الأتاسي رئيسًا للمرة الثانية بإجماع الأعضاء في ديسمبر 1949، وقام أحد أبرز قادة الجيش، أديب الشيكشلي بانقلاب ديسمبر 1949 واعتقل سامي الحناوي وأبرز المتعاطفين مع حزب الشعب.


قدم الأتاسي استقالته إلى البرلمان المنحل في 24 ديسمبر 1951، ورفض أن يقدمها للشيشكلي، لكون حكمه غير دستوريًا. وطوال حكم أديب الشيشكلي بين 1951-1954 قاد الأتاسي معارضة مستترة ضده مؤكدًا أن حكمه غير دستوري.


وفاة هاشم الأتاسي


في 1 مارس/آذار عاد الأتاسي من حمص إلى دمشق وتابع مهامه كرئيس للجمهورية، كما أعاد مجلس الوزراء ورئيسه معروف الدواليبي، واستعاد أيضًا جميع السفراء والوزراء والبرلمانيين الذين عزلهم الشيشكلي مناصبهم السابقة، وقضى الأتاسي سنوات حكمه الأخيرة وله من العمر ثمانون عامًا، يحارب نفوذ ضباط الجيش ويسعى للحد من نفوذ الأحزاب اليسارية التي كانت تتنامى في البلاد إلى جانب الاشتراكية والتعاطف مع الاتحاد السوفياتي، وكذلك جمال عبد الناصر، الذي كان يدعمه عدد من وجوه آل الآتاسي من أمثال جمال الأتاسي ونور الدين الأتاسي، واستطاع الأتاسي خلال توليه السلطة تحييد سوريا والحفاظ عليها خارج المعسكر الاشتراكي.


انتهت ولاية الأتاسي في سبتمبر/أيلول 1955 واعتزل الحياة السياسية وعاد إلى حمص حيث أقام في دارته حتى يوم وفاته، في 6 ديسمبر/كانون الأول 1960 خلال سنوات الجمهورية العربية المتحدة، وقد انتخب اثنان من أفراد أسرته هما لؤي الأتاسي ونور الدين الأتاسي رئيسين للجمهورية من بعده.



نور الدين الأتاسي


تولى رئاسة سوريا بين 25 فبراير/شباط 1966 و18 أكتوبر/تشرين الثاني 1970، ينتمي لأسرة من مدينة حمص، وكان على رأس تنظيم حزب البعث في جامعة دمشق خلال الخمسينات، وعين وزيرا للداخلية بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في آذار 1963، ثم أصبح نائباً لرئيس الوزراء عام 1964، ثم عضواً في مجلس رئاسة الدولة عام 1965.


ليصبح رئيساً للدولة وأميناً عاماً لحزب البعث بعد انقلاب فبراير/شباط 1966 الذي أطاح بالرئيس أمين الحافظ.


كانت سلطته محدودة إذ كانت السلطة الفعلية في يد مساعد الأمين العام لحزب البعث صلاح جديد.


تبوء منصب رئيس الوزراء في العام 1968 إلى جانب تبوئه منصبي الأمين العام للحزب ورئيس الدولة، وتم في عهده توقيع اتفاق إنشاء سد الفرات مع الحكومة السوفيتية، خلال فترة حكمه خسرت سوريا مع مصر والأردن حرب الـ1967 وتم احتلال الجولان، وفي الوقت الذي رفض وزير الدفاع حافظ الأسد تحمل مسؤولية هذه الهزيمة.



ظهور الأسد


دخل الأمين العام المساعد للحزب، صلاح جديد، في خلاف مع وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، وقد بلغ الخلاف أوجه أثناء أحداث إيلول الأسود في الأردن، وقد أرسل نور الدين الأتاسي قوات سورية لمساندت الفلسطينيين لما يتعرضون له في الأردن وحصل خلاف حول إرسال هذه القوات.


استقال من كافة مناصبه في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 1970 احتجاجا على تدخل الجيش في السياسية وعلى ممارسات رفعت الأسد شقيق وزير الدفاع حافظ الأسد، وعلى إثر هذه الاستقالة فرغت المناصب الثلاث الرئيسية في الدولة، وتم توجيه الدعوة لعقد المؤتمر العاشر الاستثنائي للحزب الذي قرر فصل كل من حافظ الأسد ورئيس الأركان مصطفى طلاس من مناصبهما، وعلى الأثر قام الأخير بانقلاب عسكري سمي بالحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني 1970 أزاحه فيه مع جديد عن منصبهما ووضعهما في سجن المزة العسكري.


وأمضى 22 عاما في السجن دون محاكمة وأصيب في النهاية بمرض السرطان ولم تقدم له السلطة العلاج المناسب وأدخل إلى مشفى تشرين العسكري لمدة 4 أشهر قبل أن يطلق سراحه بعد أن تفشى المرض في جسده، وسافر بعد إطلاق سراحة فوراً للعلاج في باريس ولكن المرض لم يسعفه وتوفي بعد أسبوع من وصوله في 2 كانون الأول 1992.



بعد اندلاع الثورة


بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، ظهرت سهير الأتاسي كناشطة حقوقية معارضة وهي تنتمي لعائلة آل الأتاسي الحمصية ويعد الدكتور جمال الأتاسي والد سهير من المفكرين القوميين المعروفين في بلده وفي الوطن العربي، وشارك مع صلاح البيطار وميشيل عفلق في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947، كما شغل منصب وزير في الحكومة السورية، وشغل منصب الأمين العام للاتحاد الاشتراكي المعارض.


واعتقلت السلطات السورية سهير الأتاسي في 16 مارس/آذار 2011 م بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية حيث أشادت في حديث مع قناة الجزيرة بتلك الاحتجاجات، وبعد تأسيس الائتلاف الوطني السوري، أصبحت سهير عضوا بارزا فيه، إضافة إلى فرح الأتاسي التي تعتبر ناشطة سياسية معارضة تقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن خلافات في الائتلاف السوري أدت إلى استقالتها.