التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 12:40 ص , بتوقيت القاهرة

العملية التركية في سوريا.. حق أم اعتداء؟

أثار التدخل العسكري التركي في سوريا منذ أيام، لنقل ضريح جد مؤسس الدولة العثمانية، سليمان شاه، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث اعتبر التحرك التركي تدخلا عسكريا واحتلالا لأراضي سوريا، بينما يرى آخرون أن العملية برمتها هي عملية قانونية تستند إلى أسس سيادية وقانونية، ومرتبطة أساسا باتفاقيات أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا عام 1921، والمعاهدة الشهيرة بين فرنسا وتركيا، إضافة إلى صمت الحكومات السورية المتعاقبة عن الاتفاقية المتعلقة بالضريح.


وكانت دراسة للباحث السوري، عبد الله حجار، أشارت إلى أن اتفاقية أنقرة أسست لصلاحية استعمال الخط الحديدي من قبل جيوش الجهتين التركية والسورية وتسهيل انتقال السكّان المجاورين للحدود بين الجهتين، وذكرت المادة الثامنة من الاتفاقية والخاصة بقبر جد العثمانيين سليمان شاه، وأن موقع القبر يعتبر جزءا من الأراضي التركية يُرفع عليه العلم التركي وتُقام فيه حامية تركية.



عملية قانونية


من جانبه يربط معارض سوري بين قضية التدخل الإيراني المعلن في سوريا وبين التدخل التركي لإخراج ضريح يعود أساسا لملكيتها، في عملية تمت خلال 12 ساعة، في وقت أشارت الحكومة التركية أنها أبلغت القنصلية السورية في تركيا بالعملية.


عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري، بسام الملك، يعلق لـ"دوت مصر" على قضية التدخل التركي "الأمر واضح، العملية ضمن اتفاقية سورية تركية منذ أيام سلطة الانتداب الفرنسي، وبالنسبة للعملية إذا أردنا أن نتكلم خارج الإطار القانوني، علينا الحديث أيضا عن التدخل الإيراني وميليشياته في سوريا، هم قالوا إنهم جاؤوا ليحموا مقام السيدة زينب، كذلك أيضا تركيا لديها مقام ولديها الحق أن تحميه".



ويتابع الملك "العملية التركية أخلاقية، جاءت وفق اتفاقيات دولية، وهذه الاتفاقيات تنص في حال وجود خطورة على الضريح يتم التدخل لنقله، ومن يتحدث عن العملية التركية عليه أن يتحدث عن القوات الإيرانية والشيعية والأفغانية، بالنسبة لي إيران دولة محتلة لسوريا وتدير حرب من الأراضي السورية ضد الشعب السوري".


الكيل بمكيالين


ويتساءل الملك عن صمت النظام عن الاتفاقية خلال الانفتاح الاقتصادي على تركيا، وفي وقت تم رفع التبادل التجاري مع الأتراك، معتبرا أن النظام السوري كان راضيا عن ذلك، وأن النظام السوري يستخدم سياسة الكيل بمكيالين في هذه القضية.


وأشار الملك إلى كم التدخل الأجنبي في سوريا، قائلا "لماذا لا يتم السؤال عن السيادة في ظل الضربات التي تتلقاها سوريا من أطراف عديدة، طائرات التحالف تقوم بقصف الأراضي السورية، أين السيادة من ذلك، القصف الجوي الإسرائيلي على قواعد النظام أين السيادة من ذلك، التدخل الإيراني، إضافة إلى ميليشيات من العراق وأفغانستان ومن حزب الله، هناك فرق بين من يحتل دولة وبين من يقوم بعملية عسكرية وفق إطار قانوني ومتفق عليه".



حق تركي


وبحسب دراسة حجار آنفة الذكر، فإن اتفاقية أنقرة التي وقعت بتاريخ 21 تشرين الأول/أكتوبر، 1921، تتضمن 13 مادة، وهي أساسا أعدت كاتفاقية حسن جوار بين الحكومة الفرنسية المنتدبة على سوريا ممثلة بالسيد هنري فرانكلين _ بويون، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الفرنسي ووزير سابق وقد سميت الاتفاقية باسمه، وبين يوسف كمال وزير الخارجية التركية في ذلك الوقت والتي تضمنت 13 مادة، أوقفت بموجبها الحرب بين تركيا وفرنسا وتم تعديل الحدود الشمالية بين سوريا وتركيا حيث يمرّ الخط الحديدي الواصل بين برلين وبغداد والتي سبق أن أُقرّت بمعاهدة سيفر المؤرخة في 10 آب/أغسطس 1920 التي أنهت الحرب العالمية الأولى.


وفي ما يلي ترجمة نص المادة الذي كتب مع كامل الاتفاقية باللغة الإنجليزية:


“The tomb of Suleiman sha the grandfather of the sultan Osman founder of the ottoman dynasty (the tomb known under the name of turk mazary) situated at jaber-kalesi shall remain with its appurtenances the property of Turkey who may appoint guardians for it and may hoist the Turkish flag there”.


"إن قبر سليمان شاه جد السلطان عثمان مؤسّس السلالة العثمانية (المعروف باسم المزار التركي) والواقع عند قلعة جعبر سوف يبقى مع ملحقاته في ملكية تركيا التي بامكانها أن تعيّن له حرّاساً وأن ترفع العلم التركي فيه".



سد الفرات


تم الاتفاق على أن يبقى ضريح سليمان شاه تحت السيادة التركية ويرفع عليه علم تركي، إلا أن الأرض تقع تحت السيادة السورية منذ معاهدة سايكس بيكو عام 1916.


هذه الاتفاقية نتج عنها عزل مدينة حلب عن معظم المناطق الشمالية التي كانت ضمن ولاية حلب وولاية أضنة، والتي أمست تحت السيادة التركية والتي تضمنت مدن "أضنة وعثمانية ومرعش وعينتاب وكلّس وأورفة وماردين ونصيبين وجزيرة إبن عمر".


وافقت حكومة ما يسمى "المجلس الشعبي الكبير" التركي في التاسع من تشرين الثاني عام 1921 على الاتفاقية، ونالت الاتفاقية موافقة حكومة الانتداب الفرنسي في الرابع والعشرين من تموز 1923، ورُفع العلم التركي على موقع قبر سليمان شاه في سورية منذ ذاك الحين.


اتفاق 2010


في عهد الحكومة السورية، أصر الجانب التركي في المفاوضات المشتركة في العام 1968 حول سد الفرات على إبقاء الضريح بالأراضي السورية ونقله عام 1973 إلى تلّة مرتفعة شمال تل "قره قوزاق" (يبعد حوالي 30 كلم إلى الشرق من منبج) وبني جسر "قرة قوزاق" يصل بين الجزيرة السورية (محافظات الرقة ودير الزور والحسكة) بباقي الأراضي السورية المعروفة بـ "الشامية".


وعام 2010، قررت اللجنة المشتركة "لبرنامج التعاون الإقليمي السوري التركي" وضع لوحات وشاخصات دلالة للمكان وصيانة الطريق المؤدية للضريح باعتباره مقصدا سياحيا للزوار الأتراك.


وخلال زيارة الرئيس التركي عبد الله غل إلى حلب عام 2010، زار وفد رسمي تركي الضريح وقرر إقامة أعمال صيانة وترميم فيه.



وبموجب الاتفاق بين الحكومتين السورية والتركية، تتولى الأخيرة حراسة الضريح الواقع في ريف حلب، أنها نقلته إلى بلدة آشمة، التي تبعد بضعة كيلومترات فقط عن الحدود التركية السورية، وعاد الجنود الذين كانوا يحرسون ضريح سليمان شاه جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية، وعددهم 38 جنديًا إلى تركيا بسلام، حيث كان يجرى تغيير حرس الضريح بصفة دورية كل ستة أشهر، لكن آخر مجموعة منهم ظلت محاصرة لمدة ثمانية أشهر، إلا أنه تم نقل الضريح الذي أصبح من الأراضي التابعة لتركيا بموجب اتفاقية عام 1921 إلى مكان آخر.


انتهاك سيادة


في المقابل يقول المحلل السياسي اللبناني، القريب من حزب الله، فيصل عبد الساتر، لـ"دوت مصر"، "من جهة المبدأ، التدخل التركي غير قانوني، وغير مبرر، بموجب اتفاق 1921، لكن عندما نتحدث من جهة الواقع فإن المنطقة التي يوجد فيها المقام، تقع في سيطرة المسلحين، هذا يخفف من حدة الموضوع القانوني، ويترك الحق للسيادة السورية أن تحتج على تركيا كونها قامت بعدوان غير مبرر وهذا محمي ضمن اتفاقيات، الأتراك يحرسون هذه المواقع، لكن أن يدخلوا قوات عسكرية لنقل الرفات غير مقبول".



ويتابع "بطبيعة الحال سوريا انتهكت سيادتها من قبل أطراف متعددة ولكن هذا لا يعني أن يكون الانتهاك مبررا ومكرسا على الأراضي السورية".


ويشكك عبد الساتر بوجود رفات سليمان شاه، ويقول "بالنسبة لوجود الرفات أمر مشكوك به، هناك بعض الروايات تتحدث بأن سليمان شاه غرق ولم يكن هناك جثة".


الدور الإيراني


وحول المقارنة بين التدخل الإيراني في سوريا لحماية المراقد الشيعية، وبين التدخل التركي لنقل الرفات، قال عبد الساتر، "موقع الرفات مشمول باتفاقية أولا، لماذا أبقي على هذا الأثر في ظل وجود جماعات لا تعترف بدينية وشرعية هذه المقامات، ولماذا صمتت تركيا عن وجود هذه المقامات تحت سلطة الجماعات".



وتبابع "بالنسبة لإيران، أولا المقام المقدس في السيدة زينب أو السيدة رقية في دمشق رمز لكل الشيعة، ليس الشيعة الإيرانيين فقط"، مشيرا إلى أن التدخل الإيراني هو بإذن من الحكومة السورية، والتدخل هو سياسي لتأمين غطاء سياسي للحكومة السورية".