هل تأجيل الانتخابات هو الحل؟
تجتمع اليوم، الأربعاء، المحكمة الدستورية للنظر في عددٍ من مواد قانون الانتخابات البرلمانية، سبق الاجتماع قيام هيئة المفوضين بالمحكمة بكتابة تقريرها حول هذه المواد، والذي أوضح أن بعضها يتعارض مع نصوص الدستور، وخاصة ما يتعلق بتقسيم الدوائر.
هذه القضية احتلت مكانة كبيرة في الجدل السياسي الدائر بمصر، وخاصة أن اجتماع الدستورية يأتي في أعقاب إغلاق باب الترشح لانتخابات مجلس النواب المقبل، وبدء اللجنة العليا للانتخابات في إعلان قوائم المرشحين.
البعض تحدث عن أن تقرير هيئة المفوضين هو مجرد تقرير استشاري، ومن حق المحكمة الدستورية ألا تأخذ به، وأوصى المحكمة بأن تضع في اعتبارها الظروف السياسية في البلاد، وضرورة استيفاء المرحلة الأخيرة من خريطة الطريق، وأن عملية الانتخابات قد بدأت بالفعل، ولايجب التراجع فيها حتى لو كان هناك مخالفة دستورية!
هناك وجهة نظر أخرى ترى أنه لا يجب خلط السياسي بالدستوري، وإذا كان هناك مخالفة دستورية فيجب تصحيحها.
يُضاف لذلك أن الظروف التي يمر بها المجتمع تجعل من الأفضل تأجيل الانتخابات بعض الشيء حتى تتحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
مصر تحتاج فترة للتهدئة وتبريد الأجواء السياسية واستعادة مناخ الاستقرار بعد عدة سنوات من الاضطراب، ظلَّ المواطن يلهث فيها وراء الأحداث المتلاحقة، وخرج فيها للتصويت أكثر من ست مرات.
الأوضاع الاقتصادية الحالية أيضا غير ملائمة لإجراء انتخابات عاجلة، وسوف تستخدم قوى الإسلام السياسي هذه الأجواء لتحقيق مكاسب انتخابية وتأليب الناخبين على القوى المؤيدة للدولة؛ لذا نحتاج بعض الوقت حتى تظهر بعض البوادر الإيجابية للتوجهات الاقتصادية الجديدة، أو على الأقل تسري موجة من التفاؤل بعد المؤتمر الاقتصادي المُزمع عقده الشهر المقبل.
يضاف لذلك أن انتخابات البرلمان تتطلب استعدادات أمنية، خاصة لأنها كثيرا ما تشهد صراعات واشتباكات بين أنصار المرشحين والعائلات والقبائل التي ينتمون إليها، ومع انشغال الأمن الآن بأولوية مواجهة الإرهاب، قد يكون من الأفضل إعطاؤه وقتا أكبر للتعامل مع هذا الخطر وقبل الانشغال بتأمين الانتخابات.
وأخيرا، فإن الخريطة الانتخابية في مصر لا تزال تحتاج إلى المزيد من الوقت للتبلور، وظهور تحالفات حقيقية تضم أصحاب التوجهات المشتركة وليس ائتلافات تتمحور حول أشخاص.
إذا لم يتحقق ذلك سوف نفاجئ ببرلمان غالبيته من المستقلين، وعلى العكس مما قد يعتقد البعض فإن هذا البرلمان سوف يكون أكثر شراسة في التعامل مع الحكومة لغياب أي ضوابط حزبية تحكم تصرفات أعضائه، وسيصبح ساحة للمزايدات الفردية وإهمال العملية التشريعية، وبالتالي أحد مصادر عدم الاستقرار السياسي.
مصر تحتاج لبرلمان قوي يُمارس دوره في التشريع والرقابة بكل فاعلية، وليس برلمانا شكليا يمثل عبئا على الدولة أو مصدرا لعدم الاستقرار بها.
تأجيل الانتخابات لفترة محدودة قد يكون أفضل للبلاد، إذا تم استخدام هذه الفترة لوضع تقسيم أفضل للدوائر الانتخابية، وإعطاء فرصة أخيرة للأحزب والقوى السياسية للاستعداد للانتخابات، وإعطاء الدولة مهلة لترتيب البيت الداخلي بشكل أفضل.