التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:26 م , بتوقيت القاهرة

مجلس الأمن.. الأمل المصري والتوازنات العالمية!

ليس سرًا أن مصر وروسيا خططا لصياغة مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا.. التنسيق المصري الروسي لم يتطرق صراحة إلى استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة العسكرية.. لأن واقع التنظيمات الإرهابية فى ليبيا الآن بما فيها داعش يجعل اللجوء إلى الحل العسكري شبه مستحيل حاليا.


من ثم اتجهت القاهرة إلى خفض سقف مطالبها من مجلس الأمن الدولي، خصوصا بعدما أعلنت واشنطن والقوى الغربية أنها تفضل الحل السياسي، رغم أن بعض الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، ومنهم حلفاء لمصر مثل روسيا وفرنسا، يتعرضون للإرهاب بشكل منظم.


واقع الحال يؤكد أن مجلس الأمن يلجأ لاستخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يبيح استخدام القوة فقط  في حالة الرغبة، في إسقاط نظام قائم يراه المجلس – وبالتحديد أمريكا – خطرا على السلم والأمن العالميين.


 وقد حدث ذلك مع النظام الصربي بقيادة مليوسوفيتش في 1992 والمذابح الجماعية التي ارتكبها ضد مسلمي البوسنة والهرسك خصوصا في سربينتشا.. واستخدم أيضا في ضرب عراق صدام حسين عندما تحالفت 38 دولة لإسقاطه عام 2003 وغزوا العراق استنادا إلى معلومات، ثبت عدم صحتها فيما بعد، بامتلاك بغداد أسلحة نووية وكيميائية.. ثم التدخل العسكري الدولي لإسقاط نظام القذافى عام 2011، وهو ما أسفر عن الفوضى المحتدمة في ليبيا الآن.


الجميع يدركون أن الفوضى التي تنشب مخالبها فى ليبيا سببها أن الدول الغربية لم تُكمل مهمتها بعد إسقاط القذافي كما حدث فى يوغوسلافيا السابقة بل وكما حدث، ولو بشكل نظري،  في العراق, وكأنها كانت تريد أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه في ليبيا لتنشغل مصر خاصة والشمال الإفريقى عامة بخطر حقيقى على الأمن القومي.. ولا أدري لماذا لم يضع الغربيون في الاعتبار أن ينتقل الإرهاب إلى الشاطئ الجنوبي لأوروبا فيعيث فيه فسادا.


ويبدو أن الاّمال  الشعبية المصرية كانت تتوقع استخدام الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة في حشد تحالف دولي عسكري ضد ليبيا, لكن الخبرة الدبلوماسية لوزارة الخارجية المصرية اتجهت إلى خفض سقف الطموحات، بعدما استشعرت رغبة أمريكا والقوى الأوروبية في حل سياسي بعد البيان الذي أصدرته في روما أمس الأول الثلاثاء، وقالت فيه " إن الاغتيال الوحشي لـ 21 مصريا فى ليبيا بأيدي إرهابيين ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية، يؤكد مجددا الضرورة الملحة لحل سياسى للنزاع ".


 إذن القوى الدولية مازالت ترى أن ما يحدث في ليبيا نزاعا وليس أزمة وهناك فارق كبير .. وأدركت مصر أيضا أن مجلس الأمن لن يستخدم الفصل السابع لأن الإرهاب يضرب جميع الليبيين، ولا يمكن لأي فصيل وحده أن يتصدى للتحديات التي تواجه الإرهاب ".


أمام المجتمع الدولي فإنّ ضحايا الإرهاب ليبيين ومصريين, من ثم  فإصدار قرار لصالح الحادث البشع الذي تم فيه ذبح 21 مصريا سيكون بمثابة انحياز إلى جنسية دون أخرى، الأمر الذي دفع بالتفكير الأوروبي والأمريكي إلى المطالبة  بتشكيل حكومة وحدة وطنية باعتبارها  الأمل الأفضل بالنسبة  لليبيين.


 مرة أخرى فهمت مصر من التوجه الدولي أن عليها خفض توقعاتها من مجلس الأمن.. إيطاليا وحدها – وهى ليست عضوا دائما بالمجلس – أبدت استعدادها للقتال فورا، وأعلنت وزيرة الدفاع روبرتا بينوتي أن بلادها ستقود تحالفا مسلحا، وسترسل خمسة اّلاف جندي فورا إلى الأراضى الليبية .. هذا الاستثناء الأوروبى يقوى ويدعم موقف مصر إذا ما أرادت القيام بعمليات تأديبية أخرى ضد هذا التنظيم الإرهابي في ليبيا .. فإيطاليا تخشى من قيام خلافة إسلامية فى مستعمرتها السابقة على الضفة الأخرى من البحر المتوسط .


ولا يبقى أمام مصر إلا الامتثال لقرار مجلس الأمن وقرارات الأمم المتحدة لأن الأولوية الآن لإجلاء المصريين المقيمين فى ليبيا، الذين  يتجاوز عددهم  مليون ونصف مليون مواطن .. إنقاذ هؤلاء وتأمين ترحيلهم جوا أهم من الانتقام، خصوصا وأن احتمال تعرضهم لعمليات تصفية من جانب داعش  قائم بشدة.


لقد نسقت مصر مع ليبيا بأن يقدم منوبها إلى الأمم المتحدة طلبا يقضي بإغلاق المجال الجوي والبحري الليبي للعمليات العسكرية والتهديد بقصف أي مقاتلات خارجية أو قطع بحرية تحاول نقل أسلحة للمتطرفين في إشارة واضحة إلى تركيا وقطر اللتين تساندان ميليشيات ما يسمى فجر ليبيا فى قاعدة "معيتقية" الجوية. وقد نجح التكتيك المصري في جعل طلب حصار المعونات الخارجية للإرهابيين يجىء من الحكومة الليبية الشرعية.


 وتبقى كلمة أخيرة وهي أن مصر كانت تأمل أن تتحرك الجامعة العربية عقب الحادث، وتعقد اجتماعا لمندوبيها في الأمم المتحدة وآخر بالقاهرة، يتم فيه تقديم مشروع عربي مشترك لإحياء اتفاقية الدفاع المشترك، ومنع الدول الأعضاء من تمويل الإرهاب (خاصة قطر), لكن للأسف يبدو أن الجامعة العربية وأمينها لهم توازنات أخرى مثل مجلس الأمن.