التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 02:52 م , بتوقيت القاهرة

قبل الذبح.. وبعده (1)

 


ذبح المجرمون "شياطين الإرهاب" من تنظيم "داعش" في "ليبيا" تحت قيادة "أبو بكر البغدادي" (21) مواطنًا مصريًا يعملون في مهن بسيطة هناك.. وهم الذين سبق اختطافهم، وبث الداعشيون فيديو بشعًا على الإنترنت يظهر قيامهم بقتلهم في نفس اليوم الذي التقطت فيه الصور الأخيرة، التي ظهروا بها مرتدين ملابس الإعدام الحمراء تحت عنوان "رسالة موقعة بالدم إلى أمة الصليب.. أي أن القتل تم على الهوية لأسباب طائفية ضد "الصليبيين الجدد  من وجهة نظرهم.


وقد ظهر بالفيديو عملية اقتياد المصريين الـ (21) إلى ساحل مدينة "سرت" الساحلية معقل الرئيس الليبي السابق.. وقد ربط المتحدث باسم قائد التنظيم الذي يحمل فيه يده سكينًا بين التنظيم في "ليبيا" والتنظيم في الشام والعراق قائلاً: "لقد رأيتمونا في سهول دابق وجبال الشام نجز رؤوس الصليبيين.. واليوم نحن في جنوب روما في أرض الإسلام، نبعث إليكم برسالة من البحر الذي أخفيتم فيه جسد قائدنا "أسامة بن لادن" .


فهل كان هذا الفيديو مجرد تهديد لمواطنين مصريين مسيحيين؟ وبالتالي تهديد للمسيحية، خاصة أنه كان مصحوبًا بطلبه تسليم.. "وفاء قسطنطين".. و"كاميليا شحاتة" لهم، أم أنه تهديد للسلام والأمن الدوليين؟!


إن التهديد يؤكد للعالم أن التنظيم بدأ ينمو نموًا سرطانيًا، واستطاع أن يعبر من "سوريا" و"العراق" إلى شمال إفريقيا.. بل إنه عبر البحر المتوسط ليصل إلى أوروبا.. حيث قتل ثلاثة أشخاص في الدنمارك في أقل من أربع وعشرين ساعة، منهم رجل كان يقف وراء الهجومين اللذين استهدفا مركزًا ثقافيًا كانت تعقد فيه ندوة حول "الإسلام وحرية التعبير".. وكنيس يهودي اشترك فيه رسام الكاريكاتير السويدي "لاوس فيلكس"، الذي سبق وأن نشر رسما مسيئًا للنبي محمد "عليه الصلاة والسلام".


لذلك فقد سبق الانتقام بذبح المصريين تحركات الدبلوماسية المصرية واتصالاتها العاجلة مع دول أوروبية وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا وإيطاليا .. حيث اعتمدت الاستراتيجية المصرية على التركيز على الجانب الأوروبي.. على اعتبار أنه إن لم يتم تحجيم تلك التنظيمات والإطاحة بقياداتهم، فإن ذلك يمثل خطرًا داهمًا على العالم، وخاصة أن أمريكا ترفض توسيع ضرباتها ضد داعش ؟! ووضع ليبيا ضمن القائمة التي تحتاج إلى مواجهة.


ولكن هناك سؤالين يطرحان نفسهما في هذا الشأن.. الأول عن مدى تقاعس الحكومة المصرية وأجهزتها المعنية بهذا الأمر في حماية هؤلاء المصريين وتراخيها عن إنقاذهم قبل الذبح.. وهل يرجع ذلك إلى عدم قدرتها أم بطء استجابتها أم تهاونها أم تصورها أن التهديد بالقتل هو مجرد استعراض للقوة أو مناورة ليس المقصود منها التنفيذ الحقيقي للتهديد؟! .. والسؤال الآخر هو ما الذي يمكن القيام به حاليًا بعد وقوع الواقعة ؟!


في تباين ردود الأفعال واختلاف وجهات النظر وبمتابعتنا للأمر يمكنني أن أرصد – في الإجابة عن السؤال الأول – الإجماع على أن هذا العمل الإجرامي لم يكن مفاجئًا.. فمنذ أن تم اختطاف الضحايا والاحتمالات السيئة واضحة ومعروفة للجميع فيما يتصل بهؤلاء الأبرياء وكان من الواجب السعي بكل السبل لإنقاذهم.. أما الإجابة على السؤال الثاني فيرى "جمال زهران" أستاذ العلوم السياسية والمنسق العام لتحالف العدالة الاجتماعية.. أن الأمر يستلزم تدخلاً عسكرياً حفاظاً على كرامة المصريين؛ نظراً لأن هذا يعتبر أكبر عدد تم الاعتداء عليه من قبل تلك الجماعة الإرهابية على المستوى العالمي.


وعلى الرئيس أن يعلن التدخل العسكري بالتعاون مع البرلمان الليبي لإظهار العين الحمراء لهؤلاء المجرمين.. وطالب الرئيس "السيسي" بتفعيل آخر قرار اتخذه عندما كان وزيرا للدفاع وتفعيل وحدة التدخل السريع التي أنشأها، وفي حالة عدم اتخاذ تلك الإجراءات فستصبح الحكومة المصرية – على حد تعبيره – هي المسئولة عن قتل هؤلاء الأبرياء.


يصطدم ذلك الرأي بنقيضه، وهو وجوب التأني في الرد على هذا التنظيم الشيطاني لأنه يسعى من خلال جريمته المروعة إلى جر مصر إلى المستنقع الليبي – كما يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية "أحمد بان" – وتوريط الجيش في حرب لإنهاكه وكسره في محاولة لتكرار نفس السيناريو في العراق، حيث وجد الجيش الأمريكي نفسه متورطاً في حرب مع الميليشيات واضطر في النهاية إلى الانسحاب.


 تبقى نقطة مهمة قد لا يكون من المناسب طرحها في ظل هذه الظروف الملتهبة.. ولكن الأمر يفرض نفسه طبقًا لمجموعة المفارقات التي تحيط بهذا الأمر.. وأقصد به لماذا اندفع جموع الأقباط من أهالي الضحايا إلى الكاتدرائية للصراخ والتنديد والاعتراض والمطالبة بحق الشهداء.. والقصاص لهم.. وهو ما كنا نسيناه حينما تجاوز شباب الأقباط فكرة الهرع إلى الكنيسة.. وفقزوا من فوق أسوارها العالية في تحد سافر لإرادة كهنة المنع والتحريم وعلى رأسهم البابا شنودة.. والتحموا بإخوانهم من المسلمين في ميدان التحرير معلنين تضامنهم معهم في ثورة (25) يناير.. وفي تظاهرات "ماسبيرو" والإعلاء بذلك من شأن المواطنة.. فوق الطائفية.


وهو المفهوم والذي أيده البابا تواضروس بقوة وحرارة منذ جلوسه إلى الكرسي المقدس ورفعه شعارًا واضحًا حينما قال إبان حرق بعض الكنائس: أيهما أفضل كنائس بلا وطن أم وطن بلا كنائس؟! .. وقال إنه إذا حرقت كل الكنائس فسوف نصلي في المساجد.. رافضا بشدة أن يكون المسيحيون – بصفتهم أقلية – يبدون وكأنهم رعايا دولة أجنبية، وبالتالي فإنهم يسعون إلى إقامة دولة داخل الدولة.


وهل بناء على ذلك المفهوم تم معاملة أهالي الضحايا بإهمال حينما طرقوا باب الكاتدرائية للتعبير عن غضبهم لقتل أولادهم ؟! .. وطردوهم من على الباب بعد أن ملوا من الوقوف على سلم نقابة الصحفيين دون جدوى ؟!


سؤال يحتاج إلى إجابة.