التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:16 م , بتوقيت القاهرة

مصر التي على "فيس بوك"

- عارفة، مصر غريبة أوي، إحنا قاعدين في الزمالك، الزمالك دي دولة لوحدها في نظري، لكن بصي الناحية التانية، بتهيألي دي بولاق، بصي العمارات، تفتكري الناس دي لما الواحد بيفتح شباكه الصبح، بيقدر بجد يستمتع بإنه بيته على النيل؟


لم تمنعني ثقتي التامة في أن هذه العبارة هي أحد الأكلشيهات المصرية المحفوظة صم، من أن أشنف آذان صديقتي بها، طبعا هي تعرف وأنا أعرف وتعرف أنت أن مصر الزمالك غير مصر بولاق، ومصر كايرو فيستيفال سيتي غير مصر موول طلعت حرب، وهو بالضبط ما لخصه عادل إمام في رائعته "طيور الظلام" البلد دي اللي يشوفها من فوق، غير اللي يشوفها من تحت.


غير اللي يشوفها على "فيس بوك" !، تلك إضافة مني.


مصر على "فيس بوك" دولة غير الدولة، مجتمع تحكمه قوانين مفادها أنه لا قوانين، على "فيس بوك" مصر تصنع أبطالا ربما لن تسمع عنهم لو لم يكن لديك "أكاونت"، و تُحقر آخرين يمجدهم من لا تجذبه مواقع التواصل الاجتماعي.


 مصر على "فيس بوك" لها رموزها واتجاهاتها، تُجمع على التصويت بـ (لا) في استفتاء مارس 2011، لتجد أغلبية كاسحة كانت "نعم" اختيارها، تدعم تيارا على حساب آخر، فيثبت ذلك الآخر اجتياحه للشارع المصري، سواء كان تيارا فكريا أو فنيا أو سياسيا.


مصر على فيس بوك، تأبى أن تقتنع بأن الأفورة جابتنا ورا، و لا تصدق أن التنظير خسرنا كتير، مستمرة هي في إنجاب آلاف المحللين والمنظرين والفتايين، آلاف الشامتين والمبرراتية والمطبلاتية، الجميع هنا يعرف ما بين السطور وما وراء الأحداث، الجميع راغب في أن يترك "التاتش بتاعه"، على الرغم من علمه بأنه لا يُسمن و لا يغني من جوع، لكن هي كده.


لا أرغب في شخصنة مقالي، لكنني أجدها فرصة براقة لأن "أبع اللي في قلبي" كما قال الراحل سعيد صالح، خاصة، وأنا، ومثلي الكثيرون، صاحبة تجربة فيبسبوكية مريرة جدا، مريرة جدا جدا.


(1)
في السياسة، يكتب البعض تحليلات معقولة، بينما يتفنن كثيرون في تطبيق إحدى نظريتين، الأولى هي نظرية الشماعة وهي الأكثر شيوعا، و الآخرى، تنص على أنه كلما زادت مفردات "الشتيمة" في "الستاتس" التي تكتبها، ظهرت بمظهر المنفتح الواعي، و هو ما يتناسب طرديا أيضا، مع عدد المتابعين لك.


** أحدهم قرر في واحدة من تدويناته أن ضحايا حادث استاد الدفاع الجوي إخوان، طاوعه ضميره واقتنع أن الألتراس إخوان، الاتنين، ثم أتبع ذلك بتدوينة لولبية، أشار فيها إلى أن الإخوان تنكروا في زي الشرطة وقتلوا شباب الألتراس، الإخوان بيموتوا بعضهم يا جدعان، لولولولولييي.


(2)


مضطر أنت لمشاركة الجميع فيض مشاعرهم المبالغ فيه إلى حد التلزيق، أفهم أن يتطور كل شيء بما في ذلك أسلوب التعبير عن الحب، ما لا أفهمه حقا هو أن تـ "Tag" إحداهن حبيبها، في بوست مفاده إنه خمسة مواه خمسة هاونيو خمسة آي لاف يو وهوبا بقى وأيوة بقى، ذلك نوع من الهااااااح سبقن إليه أحمد موسى بسنوات ضوئية.


** غالبا ما تُتبع هذه النوعية من البوستات بأخرى من عينة و من شر حاسد إذا حسد، عين الحسود فيها عود، إنتي ياللي غيرانة مني وبتقليديني، أو عمرو ده تاعي أنا !


(3)
بالتأكيد اكتشفت خلال الفترة السابقة أن خمسة من أصدقائك على الأقل لهم كتب في معرض الكتاب الأخير، بما فيهم أ.س، زميلك في إعدادي، ساقط اللغة العربية.


(4)


تقودنا نقطة معرض الكتاب إلى نوعين من المصريين أولهما تعرفه أنت جيدا، هو ذلك العميق الذي تريحه القهوة ويبهجه عبد الرحمن محمد، على الرغم من أنه غالبا لا يفهم نصف ما يقول، والنوع الثاني هو الذي ذكره المخرج عمرو سلامة في حديثه عن "المحفلاتية" الذين يتأهبون دائما لأن يسقط أحدهم فيشهروا سكاكينهم رغبة في تشفٍ مرضي، لا طائل من ورائه.


(5)
في الدرك الأسفل من النار، مكان محجوز لهؤلاء الذين ينسخون بوستات من "تويتر" وينسبونها لأنفسهم لهثا وراء بعض اللايكات.


**شكر خاص لصفحات سكرين شوتس، بيست تويتس على ما قدمته من جهود لكشف مدعي الثقافة وخفة الدم، الحرام مبيدومش.


 


(6)
في درك أسفل من ذلك، كل من سولت لها نفسها نشر الرسائل التي تردها في صندوق الـ Others، لا أرى مبررا لفضح شخص لم تجنِ يداه سوى أن قال "ممكن نتعرف؟"، و قد تكون نيته سليمة و قد لا تكون، و حتى هذه الحالة لا تشفع لهن ذلك التشهير العجيب التي لا أرى طائلا من وراءه الا التباري في جمع تعليقات من عينة أنا بحيي شجاعتك دي يا بيبي، أيوة أفضحيهم خليهم يتلموا، و الحقيقة أنه لا بيبي شجاعة كما يُتوقع، و لا ذاك يجعل أحدهم "يتلم"


 


تلك عينات من بين آلاف الشخصيات المصرية على فيس بوك، نماذج تظهر لك كم نحن منفصلون عن واقعنا، و غارقون إما في قاع اليأس من كل شيء، أو في قمة التفاؤول بكل شيء، ذلك مجتمع مبالغ في كل ما فيه حتى الجيد منه لدرجة يرفضها عقلك، و لا شيء أكثر حزنا من أن ذلك العالم و إن كان إفتراضيا، إلا أنه يمثل إنعكاسا حقيقيا لدرجة مخيفة، لما آل إليه واقعنا ..


 


أو ربما ثمة شيء هي أكثر حزنا، ممم، عدد الأصدقاء الذين ستفقدهم قائمتي حتما، بمجرد إكتشافهم أنهم كانوا مادة خاماً لذلك المقال !
مرحى !