موقعة "عين صالح" مقياس قوة المعارضة الجزائرية
منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، وبعد أن ظلت نشاطاتها حبيسة لقاءات واجتماعات كشفت ضعف وجودها الميداني، تقف المعارضة الجزائرية عند أول اختبار حقيقي يقيس مدى فعاليتها وحجمها في الشارع، بدعوتها للتظاهر يوم 24 فبراير/ شباط الحالي، احتجاجا على مضي الحكومة في مشروع التنقيب التجريبي عن الغاز الصخري، على رغم الرفض الشعبي الذي يواجهه في مدينة "عين صالح" وعدد من ولايات الجنوب.
المعارضة المستحية
الغريب في الأمر، أن المعارضة تجنبت أن يكون موضوع التظاهر هذه المرة، المطالب السياسية التي ترفعها كالآليات المطروحة في منطقة مزافران لتحقيق الانتقال الديمقراطي، أو الضغط من أجل تحقيق مطلب الانتخابات المبكرة، أو الاحتجاج على الانتهاكات والتضييقات التي تفرضها السلطة على الحريات العامة في الجزائر.
وفي أول اقتراب لها من الشارع، منذ تكتلت في ما تسمى "تنسيقية الانتقال الديمقراطي"، ثم توسعت إلى هيئة التشاور والمتابعة، وعلى رغم حاجز الخوف الذي تم كسره من قبل ناشطي "عين صالح" باحتجاجاتهم التي أظهرت تنظيما ووعيا منقطع النظير، فضلت المعارضة الجزائرية خيارا شديد الحذر بوقفات لا ترقى حتى إلى حد المسيرات، مبررة ذلك برفضها انتهاج خيار الشارع لما فيه من مخاطر لا يمكن تحمل عواقبها، لتستحق وصف "المعارضة المستحية".
بداية الأزمة
كانت البداية في 21 مايو/ أيار الماضي، عندما قرر مجلس الوزراء الجزائري الشروع في الإجراءات المطلوبة تجاه الشركاء الأجانب من أجل إبرام عقود التنقيب عن الغاز الصخري أو ما يسمى الغاز غير التقليدي، قبل أن يصدق البرلمان الجزائري في بداية يونيو/ حزيران الماضي على قانون يتيح للحكومة البدء في استخراج الغاز، لتخرج المظاهرات الرافضة تتطالب الدولة بالبحث عن بدائل جديدة للطاقة.
الكنز المسموم
"الكنز المسموم".. هكذا أطلق بعض السياسيين الجزائريين على الغاز الصخري، فالكنز عائد عن النسبة التي تمتلكها الجزائر في الصخور لديها والتي لا يستهان بها، حيث تمتلك ثالث احتياطي تقني قابل للاسترجاع من الغاز الصخري في العالم يقدر بـ700 تريليون قدم مكعب، أما "المسموم" فللأضرار البيئية والصحية الناتجة عنه، إضافة إلى تكاليف استخراجه، بحسب بعض المعارضين.
وبحسب دراسات نشرتها مواقع إلكترونية جزائرية، فإن عمليات استخراج الغاز الصخري ستؤدي إلى تلويث مياه الشرب مستقبلا بالأرسنيك (الزرنيخ) السام واليورانيوم المشع ومواد أخرى مضافة مثل الرصاص، وهي مواد تستعمل لاستخراج الغاز الذي يستهلك كميات هائلة من الماء (500 لتر في بضع ثواني) عبر ضخه من الوديان، ما يهدد بإصابة المواطنين بالسرطان.
البئر الأولى
وفي أواخر العام الماضي، أعلن وزير الطاقة الجزائري، يوسف يوسفي، أن بلاده نجحت في حفر أول بئر تجريبية للغاز الصخري، وهو ما فجر تظاهرات في مدينة عين صالح بولاية تمنراست – وهي واحدة من أفقر المناطق في الجزائر ويقع فيها البئر الرئيسية لشركة النفط والغاز الحكومية "سوناطراك" - استمرت إلى الآن، رغم طمأنة السلطات للسكان المحليين بأنه لا تداعيات سلبية لعمليات الحفر.
الاحتجاجات تتوسع
وتوسعت الاحتجاجات ردا على ذلك في مدن وولايات جنوب الجزائر، إلى باقي مدن تمنراست وولايات أدرار وتيميمون وورقلة الواقعة جنوبي البلاد.
محاولات بائسة
ووسط مساعي الحكومة لتهدئة الوضع، حاول الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، طمأنة سكان عين صالح، والجنوب بأن استغلال الغاز الصخري غير وارد في الوقت الراهن، فيما طلب من الحكومة مواصلة التواصل مع السكان المحليين والرأي العام، غير أن ذلك لم يجد نفعا.
البئر الثانية
ورغم احتجاجات السكان القريبين من مواقع الحفر، أعلنت "سوناطراك"، في مؤتمر صحفي في 8 فبراير/ شباط الحالي، أنها لن توقف أشغال الحفر، وأن الشركة ستشرع في غضون أيام في حفر بئر تجريبية ثانية، بحثا عن الغاز الصخري في منطقة أحنات القريبة من عين صالح (200 كيلومتر جنوب العاصمة).
النشطاء يهددون
وفي المقابل، هدد نشطاء على لسان المتحدث باسمهم، محمد عزاوي، أن المظاهرات الرافضة للتنقيب عن الغاز الصخري ستتوسع لتشمل أماكن الحفر، بحسب موقع "الجزيرة. نت".
المعارضة تتحرك
فيما دعت هيئة المتابعة والتنسيق للمعارضة الجزائرية لتنظيم وقفات ميدانية في كامل ولايات البلاد يوم 24 فبراير/ شباط الحالي، للدعوة إلى الحفاظ على السيادة الوطنية والتنديد باستغلال الغاز الصخرى، ولدعم الاعتصام المتواصل لسكان مدينة عين صالح، تتزامنا مع الذكرى 44 لتأميم المحروقات، وندوة الإجماع الوطني التى دعا إليها حزب جبهة القوى الاشتراكية، للتحاور حول حول الآليات العملية لتنمية الوطن وتحقيق التنمية المستدامة، والتي لقيت رفضا واسعا من قبل أغلبية أطياف المعارضة.
مصير مجهول
وبحسب صحيفة "الخبر" الجزائرية، لا يعرف إن كانت السلطات ستسمح بتنظيم مثل هذا النشاط، غير أنه جرى في العادة رفض الترخيص بأي احتجاج بالعاصمة وغلق الساحات العامة بالحواجز، عدا في حالات نادرة، علما أن العاصمة لازالت تخضع عمليا لأحكام حالة الطوارئ رغم إلغائها في فبراير/ شباط 2011، حيث يمنع تنظيم أي مسيرات فيها.