التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 10:57 م , بتوقيت القاهرة

جنب الحيط

<p>ترددتُ كثيرا قبل كتابة مقالي، وها أنا أكتبه في اللحظات الأخيرة المسموحة لي، بل أني بالفعل قد طلبتُ وقتا إضافيا، فلقد انتهى الوقت الأصلي ولم أكن قادرا حتى على الشروع في الكتابة.</p><p>وها أنا أتمنى أن يُطلق الحكمُ صافرة نهاية الوقت، فلا ينشر المقال الذي لم أكتبه بعد. تماما كما صفَّر الحكمُ أول من أمس وانتهت المباراة قبل أن يشاهدها 19 قتيلاً، على حسب رواية قناة العربية، أو 40 قتيلاً على حسب رواية قناة الجزيرة، كانوا كباقي المشجعين في طريقهم للاستمتاع بمشاهدة فريقهم، إلا أن هناك من أبى.</p><p>لن أتكلم عن أحداث المجزرة، ولا عن الشفافية الغائبة في البيانات الرسمية، ولا عن الوزير القوي الذي يأبى إلا أن يفرض هيبته، نافيا بالأمس فكرة استقالته، ولن أذكر هؤلاء الذين يؤيدون أن تكون عقوبة عدم حمل تذكرة دخول هي الموت، أو من يقولون (إيه اللي وداهم هناك) وهم متناسون تماما أن هناك إعلانا في جريدة كبيرة عن أن رئيس نادي الزمالك المحترم أمر بإهداء الجماهير دخولا مجانيا. وبالطبع لن أتكلم عن نفس رئيس النادي المحترم الذي فسخ عقد لاعب من طرف واحد ودون الرجوع إلى مجلس الإدارة لأنه رفض اللعب احتراما لأرواح من قضوا.</p><p>لن أكتب مقالي عن المباراة التي بدأت واستمرت، ولا عن الجماهير التى بقيت وهلَّلت، ولا عن الإعلام الذي لم يذكر شيئاً عما حدث إلا عندما أصبح مضطراً لذلك.</p><p>لن أناقش هنا بيان الرئاسة المصرية الذي "ينعي" فيه الضحايا، ويطالب بسرعة إنهاء التحقيقات، كما أمر قبلها على الهواء في قضية "شيماء الصباغ".</p><p>لن أتساءل عن دموع ولا عن حزن ولا عن آمال ماتت واندفنت في قلوب الكثيرين. ولن أجرؤ على ذكر كلمة "دم" فلم أعد أعلم عن دم من أتحدث!</p><p>لقد كنت أمشي زهوا فخورا بشجاعتي في عرض الطريق، أكتب ما شئت وقتما شئت. إلى أن أحسستُ بنظرة الخوف والقلق، تلك التي شاهدتها في أعين زوجتي عندما كتبت أحد مقالاتي الذي قررت بعد كتابته ألا يُنشر، فقد خِفْتُ.. خِفْتُ، فانكسرت، وقررت أن أعبر الطريق، لأمشى بجوار حائط السور.</p><p>أقنعت نفسي أني سأقوم بعملٍ آخر همام، عمل لا يقل أهمية عن الكلام في السياسة أو الدين، سأتكلم عن التربية والحوار بين الأزواج. سأستغل ما اعتقده مهارة إنسانية عندي حتى أوصل رسالة بناءة لمن يقرأ لى. نعم.. أنا لستُ خائفاً.. أنا أقوم بمهمة أخرى أسمى، وأحمي عائلتي وأحمي نفسي من تبعات أي عنتريات ليس منها فائدة.</p><p>هكذا أقنعت نفسي، وهكذا بدأت حكايات "شكرية وعبد الشكور".</p><p>وبينما أنا مازلت أتمشى بجوار الحائط، أكتب مقالي الأسبوعى والذي كان مقررا أن يُسمى "أنا عبد الشكور"، بينما أنا كذلك، إذا بالحائط ينتهي عند بوابة، تحمل لافتة "استاد الدفاع الجوي".</p><p>أقف متسمرا، لا حراك، فأنا مُطالب حتى أصل لطرف الحائط من جديد أن أعبر على جثث من قُتل، وأن أعبر متجاهلاً من قَتَل. فقط أعبر. فقط بدون إبداء أي انزعاج. فقط أعبر وستجد الحائط بانتظارك، مسموحٌ لك بعد العبور أن ترجع النظر إلى المشهد من خلفك، ويرتد إليك النظر وهو حسير، فتبلع حسرتك كالغصة، وتضع عملاتك في ماكينة المشروبات الغازية بجوار الحائط، ولترتشف فتتلاعب الفقاعات بأنفك وتلهيك عما خلفك.<br />ونمضي.<br />هكذا أصبحنا.<br />وهكذا أصبح حلمنا.</p>