التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 03:15 م , بتوقيت القاهرة

التقارب الأمريكي السوداني.. صفقة على نار هادئة

منذ اللحظات الأولى، التي أعلن فيها العقيد عمر حسن البشير، بيانه بالاستيلاء على مقاليد السلطة في السودان في يونيو/ حزيران 1989، مسطرا بداية المشروع الإسلامي في الحكم، لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأكبر في العالم، مرحبة بهذا النظام.


وسرعان ما اصطدمت واشنطن مع السودان بطريقة غير مباشرة، في حرب الخليج 1989، عندما قرر نظام البشير، مساندة الرئيس العراقي، صدام حسين في غزو الكويت، ما أفقد النظام الإسلامي الوليد في السودان، الدعم الخليجي، وجعله يواجه الأسد الأمريكي وحيدا.
 


تسارعت وتيرة الأحداث في السودان في السنوات الأولى التي أعقبت الانقلاب، وتبنت الدولة شعارات يصفها الغرب بالمتطرفة، وتجلت ملامح هذا التطرف، عندما استضافت السودان أكبر العناصر المناهضة للولايات المتحدة في العالم، أمير تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، ما دفع أمريكا لوضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ 1993.



توجه نظام الإنقاذ شرقا، معولا بشكل كبير على التنين الصيني، كقوة اقتصادية صاعدة، جلعت من السودان حليفها الاقتصادي الأكبر في إفريقيا، ما دفع أمريكيا لرفع سقف الحصار على السودان، وتوجيه ضربة عسكرية في مقر مصنع الشفاء للأدوية، في أغسطس/ آب 1998، في ظل تكنهات أمريكية، بأن المصنع كان يستخدم في إنتاج أسلحة لصالح عناصر إرهابية.



أمريكيا التي لم تتوان عن دعم العديد من الكيانات السياسية والعسكرية المناهضة للنظام السوداني، عززت كروت الضغط على البشير، بتحريك المحكمة الجنائية الدولية التي أضافت عزلة سياسية، على العزلة الاقتصادية الموجودة أصلا فضلا عن الضغوط الإقليمية، التي تمارسها واشنطن عبر حلفائها، الذين أصبحت أراضيهم مرتعا للحركات المتمردة على الخرطوم.



وفي الأشهر القليلة الماضية، لاحت في الأفق بوادر تقارب بين البلدين وبخاصة عقب لقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره السوداني علي كرتي، وحديثهما عن فتح قنوات مباشرة للتفاوض في القضايا العالقة، إضافة إلى تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، وتسويف قضية البشير المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.


وتتبع زيارة كرتي إلى واشنطن، زيارة مرتقبة خلال الأسبوع المقبل، للرجل الثاني في حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم ومساعد البشير، إبراهيم غندور، إلى واشنطن.


وهذه الزيارة هي الأولى من نوعها لمسوؤل سوداني بهذا الحجم إلى واشنطن منذ سنوات، ما يمهد الطريق أمام صفقة أمريكية ـ سودانية تطبخ على نار هادئة.



وفي هذا السياق يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهري السودانية، صلاح الدومة أن "اعتراف السودان بانفصال الجنوب في 2010، كان جزءا من صفقة بين الخرطوم وواشنطن، في مقابل تمرير الانتخابات الرئاسية".


وأشار الدومة في تصريح لـ" دوت مصر"، إلى أن "هذا السيناريو قريب من التكرار هذه المرة، ولكن ربما تكون منطقة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب هي ثمن تمرير الانتخابات، أو إعطاء الحكم الذاتي لمنطقتي جبال النوبة وجنوب كردفان".



وحذر الحكومة السودانية من أن "رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، أمر بعيد المنال، لأنه ليس في يد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بل يرتكز بشكل أساسي على الكونجرس الذي تتحكم فيه لوبيهات يهودية ترفض بشدة استمرار نظام البشير في السلطة"، مستدركا بأن هذا "لا يمنع من تخفيف بعض العقوبات خاصة المتعلقة بخدمات المواطنين".



وعلى صعيد آخر، يرى عضو المكتب السياسي، بحركة "الإصلاح الآن"، الدكتور أسامة علي توفيق، أن أمريكا دولة مؤسسات وهذه المؤسسات ليست كلها على توافق مع نظام البشير، إلا أن هذا لا يتنافى مع وجود مؤشرات للتقارب.


وأوضح توفيق لـ"دوت مصر" أن "هذا التقارب إذا وصل لمرحلة الاتفاق بين البلدين، سيكون له ثمن يدفعه السودان، أتمنى ألا يمس الثوابت الوطنية للدولة ويحفظ كل شبر من أراضيها".



واعتبر أن "أمريكا ليست في حاجة لاشتعال بؤرة جديدة للصراع في المنطقة، في ظل حالة احتدام التوتر في معظم دول الشرق الأوسط وخروج معظمها عن السيطرة، ما جعلها أرض خصبة للإرهاب"، مشيرا إلى أن "الوضع في السودان إذا اشتعل سيكون ما يحدث في سوريا الآن مجرد نزهة، مقارنة مع ما يمكن أن يسفر عنه انفلات في مجتمع قبلي معقد يشهد انتشارا كثيفا للسلاح، ويزخر بعرقيات قوية تسيطر على أجزاء من الدولة".


من جانبه اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة إفريقيا العالمية، البروفسير حسن مكي، أن "زيارة غندور إلى واشنطن، تأتي في إطار التقارب بين البلدين، لكنها لن تحدث تغييرا نوعيا في العلاقات، في ظل اقتراب الانتخابات الأمريكية التي ستنهي دور أوباما كلاعب رئيسي في المرحلة المقبلة".


وأوضح مكي لـ" دوت مصر" أن "زيارة غندور تحديدا تأتي في إطار كونه وجها مقبولا للحكومة الأمريكية، التي كانت لها تحفظات كثيرة على نظيره السابق في الحزب نافع علي نافع"، مشيرا في سياق آخر إلى أن "الانتخابات السودانية لن تحظي بقدر كبير من الاهتمام في المباحثات، في ظل عزوف الشعب السوداني عن المشاركة".



وفي هذا الإطار، توقع رئيس مكتب حركة "جيش تحرير السودان"، ببريطانيا، نور الدايم طه، ألا يقف المجتمع الدولي في خندق واحد مع نظام البشير، المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد شعبه.


وقال طه في اتصال هاتفي مع "دوت مصر" من لندن، إن "الأحرار من الشعب الأمريكي خرجوا ليرفضوا زيارة كرتي، وسيخرج آخرون للتنديد بزيارة مساعد البشير".



وطالب الحكومة السودانية بأن تدرك أن "الشرعية الحقيقة تأتي من الشارع من السوداني وليس من واشنطن، وهذا الشارع يرفض البشير وعليه أن يبذل الكثير كي يضمن استمراره في المستقبل كجزء من الحياة السياسية في السودان، في ظل حوار وطني يشمل الجميع من دون إقصاء، ويبني دولة تحترم الدستور وحقوق الإنسان وتعلي من قيمة العدالة الاجتماعية".