التوقيت الجمعة، 29 نوفمبر 2024
التوقيت 04:12 م , بتوقيت القاهرة

هنموت منفجرين

من العبث أن تتصفح مواقع الأخبار في الصباح، فتطالعك أخبار التفجيرات بمعدل يقترب من عشرين بالمئة من الأخبار المنشورة تقريباً، ومن العبث أن تغمض عينيك وآخر ما طالعته كان خبرا عن تفجير، أو "بوست" نشره صديق عن مخاوف من احتمالات التعرض للتفجير.


وفي بلد يعاني مواطنوه بالأساس من صعوبة التنقل بسبب أزمة مواصلات تتجاوز تفاصيلها الخيال، حتى أن مطالعة أخبار المرور والطرق لم يعد ترفا قبل التحرك من أي مكان؛ يصبح ضربا من الجنون أن يُضاف إلى قائمة أعباء التنقل،"تخمين" أين سيكون التفجير القادم؟


صعوبة الحركة مع تفاقم أزمة المرور وسوء حالة الطرق، وكل اضطرابات السنوات الماضية، أضيف إليها بعبثية سيمفونية التفجيرات النشاز أحدث أنواع الكوارث في حياة شعبنا المجيد، والحمد لله الذي لا يُحمد على المكاره سواه.


واحد يسألني: ونعمل إيه؟ هو الموضوع فى إيدينا؟!، طبعاً لا أحد يستطيع أن يتحكم بشكل مُطلق فى منع ذلك، لكنني بصراحة ووضوح أمارس ندب الحظ، نعم..وبلا مواربة؛ الحياة في العاصمة تحديدا صعبة بما فيه الكفاية، والمخاوف أصبحت – للأسف – جزءا من مشاعرنا اليومية، لا الموسمية.


اعتدنا الخوف وتعايشنا معه، أو هكذا نتصور، فلا أحد يتصالح مع الخوف، حتى وإن بدا كذلك ظاهرياً؛ إلا أن التأثيرات القاسية للعيش تحت الخطر تترك آثارها الصحية نفسيا وبدنيا على المدى الطويل، بالإضافة طبعاً لتفاوت ردود الفعل تجاهها بين الأشخاص، وهل تدركون مثلاً أننا الآن نربي جيلا تحت نيران أخطار لم نختبرها نحن، لكنّها ستصبح جزءا من تكوينهم النفسى شئنا أم أبينا.


أتذكر جيدا مشاهد من طفولتي المبكرة، كنت أعيش مع أسرتي في العراق وقت الحرب العراقية- الإيرانية، وكان التليفزيون يذيع باستمرار تنبيهات للتعامل مع الأجسام الغريبة، منها أنه يجب ألا نلتقط شيئا من الأرض، ويجب التعامل بحذر مع أي جسم يبدو غريبا، ومن الأفضل ألا نقترب حتى من الأشياء المألوفة مثل لعب الأطفال.


وبرغم سنين طويلة، إلا أنني حتى الآن لا أتعامل بتلقائية مع أي شيء ملقى في الشارع، فلا ألتقط ما أراه أمامي مهما بدا مألوفا، للوهلة الأولى تتراءى أمامي شاشة التليفزيون مع التحذيرات المتكررة، كل تلك السنوات لم تمح الذكرى ولا الخبرة المؤلمة التي اختبرتها مبكراً.


نحن في حاجة لثقافة للتعامل مع هذا الموضوع، بما أنه قد أصبح جزءا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية: كيف ننبه الأطفال للتوجس من جسم غريب؟ كيف يتم الإبلاغ عن الأجسام الغريبة، كيف يمكن توخى الخسائر قدر الإمكان؟ وربما يساهم هذا في تحويل حدث اكتشاف قنبلة إلى مناسبة للفزع أكثر منها دعوة للتجمهر والفرجة!.. رغم أن حذرا لا يمنع من قدر.
حفظ الله بلادنا.