التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 02:01 ص , بتوقيت القاهرة

قولي "الدولة الإسلامية" ولا تقولي داعش

الأعضاء السابقون في الجماعات الإسلامية يصيرون أشد الناس خصومة لفكرة الحكم الإسلامي. لماذا؟ لأنهم لا يعيشون في الأوهام التي يشيعها الإسلامجية عن "الدولة الإسلامية" وجمالها. لا ينخدعون. بل يعلمون بالحقيقة كما هي. 


ما يحدث الآن من داعش والقاعدة وأنصار بيت المقدس هو الدولة الإسلامية التي يبشروننا بها. هو ما درسناه، وحفظنا حججه الشرعية، واستخدمناه في الخطابة على المنابر دليلا على عزة الإسلام، وعلى حكمة الأحكام الإلهية. هو المكتوب في كتب السيرة النبوية، وكتب التاريخ الإسلامي، وكتب فقه الجهاد، وأحكام الولاء والبراء، وأحكام القتال. 


لا تخدعوا أنفسكم. يكفي ما حدث. فقد أوصلنا الخداع إلى هذه النقطة التي صرنا فيها برابرة العصر.


يجب أن نحافظ على المستقبل، أن نُعلن بلا خوف أن أحكام الإسلام السياسية لا تصلح لهذا الزمن، لا تصلح. جملة بسيطة حكمونا بالخوف لكي لا نقولها، حكمونا بالخوف لكي نرواغ مِن حولها. أحكام الإسلام السياسية أحكام لزمانها، تصلح لزمانها، لكنّها بمعايير زماننا وحشية وبربرية، ليس في هذا ما يعيب الدين، كما لا يعيب أي نظام تشريعي في العالم. التشريع، تعريفا، ابن مجتمعه وزمانه وبيئته. الاحتفاء بالتشريعات القديمة أوصلنا إلى ما نحن فيه، جعلنا تتار هذا العصر. 



لكننا بالخوف مطالبون بأن نمدحها على وضعها، ونظل نمدحها على وضعها، ونلقن مديحها لأبنائنا، ونستفتح بمديحها أيامهم في الإذاعات الصباحية، وندرس لهم مديحها في مناهج التعليم. بل ونختبر بمديحها إيمان الجيران، وإيمان الخاطبين والمخطوبات. 


من الذي يشيع هذا؟ داعش؟ لا، أبدا. بل الوسطيون المعتدلون المنوط بهم المهمة الأخطر في إعداد البشر لكي يصيروا إرهابيين إسلامجية. بل مدرسو المدارس، وأولياء الأمور، الذين يربون الأطفال على الخوف من النار، ويربون الكبار على الخوف من التعبير عن شكوكنا وتساؤلاتنا. يخوفونهم بأحكام التكفير وازدراء الأديان. 


بالخوف ينجزون المهمة الأكبر. 


مهمة التأكيد على أنه لا مصدر للمعرفة إلا المعرفة الدينية. أنه لو تعارض الدين مع العقل فلنلق العقل جانبا. ولو تعارض الدين مع العلم فلنلق العلم جانبا. وأن الدين هو مصدر المعرفة الأخلاقية الوحيد. 


هذه المهمة الأكبر والأخطر.  محصلتها الأخيرة أن يستفرد بنا رجال الدين، ويدخلوا بين المرأة وزوجها، وبين الابنة وأبيها، وتكون لهم الكلمة الفصل في كل شيء، من أول الاستشارة في أوجه الاستثمار، وصولا إلى معاني الأحلام والرؤى. سيطرة تامة شاملة، تشل العقل عن ممارسة رياضة التفكير والتقرير للنفس. وتعيشنا محكومين بالقرون السابقة، ومعرفة القرون السابقة، وعقول القرون السابقة، وأشخاص القرون السابقة. 


بعد هذا الإعداد الأساسي، بعد أن يتربى الناس على أن ما يقوله الدين يُقبل بلا نقاش، مهما كان مخالفا لما يستسيغونه، تبقى المهمة الأسهل جدا. مهمة فتح كتاب تراثي على صفحة معينة وتقديم "الدليل" على شرعية البشاعات. البشاعات وحدها تحتاج إلى "أدلة" مقدسة. تقنع النفس البشرية بقبولها. 


يجب أن نفهم ميكانيزم "الدليل الشرعي"، ودور كل فئة فيه، لكي نفهم كيف ينشأ الإرهاب ويترسخ.