التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 04:14 ص , بتوقيت القاهرة

ملك السعودية والحرب على الإرهاب

عدة عوامل ربما ساهمت في فورة الإرهاب خلال الأسبوع الماضي. أوضحها مرور ذكرى "الثورة الإسلامية" في 25 يناير. وثانيها اليأس. اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، الاستحقاق الأخير من خارطة المستقبل، واقتراب موعد المؤتمر العالمي لدعم الاقتصاد المصري، حتما على الإخوان مضاعفة جهدهم لإفشال كليهما. 
            
السلوك اليائس ظهر أيضا في تصرفات مذيعي الإخوان المنطلقين من قنوات تستضيفها تركيا، والذين قضوا الأسبوع الماضي يحرضون أتباعهم على الاعتداء على زوجات الضباط وأبنائهم (ناس بتوع دين فعلا). من مروا بتنظيمات يعلمون أن هذا سلوك الياس المطبق، لأنها إجراءات لو كانت تؤتي نتيجة لكان الأمر سهلا، ولحكمت العصابات العالم. مذيعون آخرون وجهوا تحذيرات إلى السياح والشركات الأجنبية والدول الداعمة لمصر، بأن شهر فبراير سيشهد اعتداءات عليهم جمعاء، جمعاء.


آخرون يبررون هذه الفورة بتولي قيادة جديدة جماعة الإخوان المسلمين. مذيع الجزيرة الإخوانجي أحمد منصور عرض البيان الذي وضعته هذه القيادة الجديدة، والذي يدعو أفراد الإخوان إلى الجهاد، وعلق عليه واصفا القيادة بأنها "ثورية" تأخذ الإخوان مرة أخرى إلى نهج حسن البنا.


كل هذا جائز. لكن لا يمكننا استثناء عامل آخر هو وفاة الملك عبد الله. كل العيون اتجهت إلى السعودية عقب الهجمات الإرهابية في سيناء تترقب سرعة رد الفعل وصيغته. الهجمات وقعت مساء الخميس، وبيان الإدانة صدر عن الخارجية السعودية مساء الجمعة. ربما لا يعدو الأمر أن يكون تأخرا ناتجا عن إجازة المصالح الرسمية. لكن يبقى أنه أعطى الترقب مذاقا إضافيا، وأعطى "سؤال المرحلة" بريقا إضافيا: هل ستظل السياسة السعودية إزاء مصر على حالها بعد وفاة الملك عبد الله وتتويج الملك سلمان؟


نعرف - على الأقل - الدور الشخصي للملك عبد الله في الملف القطري المصري. عودة القناة الفضائية القطرية إلى سياسة الاحتفاء بالهجمات الإرهابية على الجيش المصري، وهتاف الله أكبر الذي صرخ به طاقم عملها إلى جانب مراسلها أثناء وقوع الهجمات، مؤشران واضحان على وجهة الدولة الخليجية. ويؤكدان ما أشيع من قبل من "مضض" قطري وهي تنفذ مطالب الدول الخليجية بشأن مصر. لا بد أن قطر نفسها أحست مع وفاة الملك عبد الله ببراح وأرادت أن "تختبر" - على الأقل - نية الملك سلمان وأسلوبه. هذا من ناحية قطر. ويخص ملفا واحدا من ملفات "مواجهة الإرهاب".


لكن الإجابة على السؤال الأساسي تستلزم أكثر من هذا. تستلزم أن ننظر إلى الوضع من زاوية المملكة السعودية.


الملك الراحل عبد الله عاصر بعضا من أسوأ سنوات الإرهاب في المملكة، سواء كولي للعهد أو كملك، وكان حاسما في مواجهته. والملك سلمان لم يكن بعيدا عن الترتيبات الأمنية والسياسية في المنطقة. ولي ولي العهد، وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف كان ركنا أساسيا في الحرب ضد الإرهاب. كل هذه العوامل، الداخلية، ترجح أن السعودية ستسير على نفس نهج محاربة الإرهاب.


السعودية إحدى أكثر دول المنطقة تعرضا للإرهاب، آخرها لم يمض عليه شهر واحد. وقد استهدف نقطة عرعر الحدودية، ليذكر المملكة بأن يد الإرهاب طويلة. هذا أولا. وثانيا يذكرها بحدودها الإقليمية. بالوضع في العراق. بالحال السياسية في البحرين. بحرب الوكالة في سوريا ولبنان. ثم  - أقرب من ذلك - بما يجري في اليمن، على حدودها الجنوبية. في كل هذه المناطق القريبة صار النفوذ الإيراني حقيقة واقعة.


الموقف من الإرهاب لم يعد مجرد "موقف أخلاقي"، أو نصرة أخوية، الموقف من الإرهاب صار أبجديات سياسة. بأي معنى؟ بمعنى أن دولة مثل إيران صارت تعتمد على الميليشيات اعتمادا أساسيا في مد نفوذها في المنطقة. فصارت "حرب الإرهاب" التجلي السياسي لحرب النفوذ في المنطقة. لا مهرب منها. وبالتالي فإن حاجة السعودية إلى مصر في حرب الإرهاب، لا تقل أبدا عن حاجة مصر إلى السعودية. على بلاطة، السعودية لا تملك رفاهية أن تخاطر بإضعاف الموقف المصري. هذا من ناحية ركائز الاستراتيجية السياسية.


في مؤتمر صحفي عقد قبل يومين أكد وزير المالية السعودي على هذا بقوله إن "دور السعودية والإمارات غير مقتصر على الإعداد للمؤتمر الاقتصادي... نحن شركاء مع مصر في التنمية". المؤتمر الاقتصادي هذا هو حجر الأساس في الحفاظ على استقرار مصر، والشراكة في التنمية اسم كودي لهذا الهدف الأساسي لسياسة السعودية في هذا الشأن.


هل أجبنا على سؤالنا؟ هل ستظل السياسة السعودية إزاء مصر على حالها بعد وفاة الملك عبد الله وتولي الملك سلمان؟ 


ركائز السياسة لا يمكن أن تتغير. إنما طريقة التعبير عن هذه الركائز تعتمد على عدة عوامل. هناك عوامل شخصية تحددها كاريزما الملك، وخبرته في الحكم، وخبرة الحكام الآخرين معه، والثقل الذي يكتسبه من ملء مكانه داخليا وخارجيا. عوامل سمحت السنوات للملك عبد الله بأن ينميها ويكملها. وجاء دور الملك سلمان لكي يأخذ فرصته التاريخية. صحيح أن هذه أمور "شخصية"، لكنها ليست هينة. مواجهة الإرهاب، والانتصار في معركة تكسير العظام الإقليمية، لا يعتمدان على الاتجاه الذي تسلكه هذه الدولة أو تلك فقط، بل يعتمدان على التوقيت، الحسم، وحجم التداخل، والنجاعة. الحرب العالمية الثانية في أوروبا درس يجب ألا نغفل عنه.