التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 04:49 م , بتوقيت القاهرة

هل تتذكرون الدكتور أحمد صبحي منصور؟

هو واحد من أهم مَن حاولوا عقد مصالحة بين المسلمين والعالم، وقاتل من أجل تخليص ديننا العظيم من جرائم التاريخ، وجرائم تحويله إلى دين عدائي إرهابي. وكانت النتيجة المؤسفة أن هذا المفكر الهام تم فصلة من جامعة الأزهر التي كان يعمل بها أستاذًا  وتم سجنه، ليس لأنه إرهابي وليس لأنه يحمل السلاح ويقتل غيره، ولكن لأن أفكاره مختلفة عن السائد.


وهو الآن يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية في أمان منذ سنوات طويلة يُكمل مشروعه الفكري العظيم، وينشر إنتاجه الهام عبر الموقع الإلكتروني "أهل القرآن".


ليس الدكتور صبحي وحده هو من تعرض لهذا التنكيل والعصف، ولكن أنصار مشروعه الفكري كان يتم القبض عليهم، وتعذيبهم والزج بهم في السجون  والتهمة أنهم "قرآنيون".


لا يهمني أن يعجبك أو حتى يعجبني اجتهادات الدكتور منصور، ولكن الاعتراف بحقه وحق أنصاره في أن يعتقدوا ما يشاؤون، وأن يدعوا غيرهم إلى ما يؤمنون به. كما لا يهمني أن يعجبك أو يعجبني اجتهادات الشيعة المصريين ولا غيرهم من الفرق الإسلامية التي تختلف اختلافاً جذرياً مع الثقافة الإسلامية السائدة في بلدنا. المهم هو أن نقر بحقهم في الحرية، مثلما يطالب أنصار الثقافة الإسلامية التقليدية بحقهم في أن يدعوا إلى ما يشاؤون، وأن يدافعوا عما يشاؤون.


بالطبع، وكما تعرف، الدكتور أحمد صبحي منصور، ليس الوحيد، فهناك اجتهادات لآخرين منهم على سبيل المثال الدكتور سيد القمني، الدكتور نصر حامد أبو زيد والمستشار الراحل سعيد العشماوي والشيخ محمد عبد الله وصديقي العزيز الدكتور إسلام البحيري وغيرهم.


كل هؤلاء وغيرهم لم يبذل خصومهم جهدًا حقيقيًا في مناقشة أفكارهم، ولكن الطاقة الأكبر ذهبت إلى حملات تشويه وتكفير وتهديدات.


في هذا السياق لابد أن أذكرك، بشكل خاص، بالراحل العظيم فرج فودة الذي قُتل بدمٍ بارد بفتوى، وتحوّلت محاكمة القتلة إلى مسخرة، عندما أراد البعض، ومنهم الراحل الشيخ محمد الغزالي، إلى تحويلها إلى محاكمة للقتيل بحُجة أنه كافر.


لماذا أذكرك بهؤلاء المختلفين؟


لسببين، الأول أن نُحييهم لشجاعتهم، فقد قرروا أن يقفوا ضد تيار جارف، بدون دعم وبدون مساندة، وبدون مؤسسات أو دول أو سلطة تدعمهم. السبب الثاني وهو الأهم، هو أننا لابد أن ندرك أن المطالبات الواسعة بـ"ثورة دينية" أو "تجديد الخطاب الديني"، من المستحيل أن تنجح بدون أن تكون هناك حرية حقيقية. لأن هذه الحرية هي التي تُمكن المجتمع من إجراء نقاش واسع حول كل شيء وأي شيء. ففي هذا النقاش تتطور الأفكار وتنضج الاختيارات.


من ثم فلا قداسة لأشخاص، ولا قداسة لمؤسسات وعلى رأسها الأزهر. فهو في النهاية بعيدًا عن التهويل، مجرد أشخاص مثلي ومثلك لهم آراء ، مجرد آراء، تخطئ وتصيب. وهم مثل غيرهم من آحاد الناس، لا يملكون توكيلاً بالتحدث باسم الإسلام ولا باسم المسلمين ولا باسم الله جل علاه.


وبالمثل لابد أن نتوقف عن تقديس الأشخاص مثل البخاري وغيره، فهم مثل رجال الأزهر بشر يصيبون ويخطئون، لا سلطان لهم علينا. كما أظن أنه في هذا السياق لابد أن نتخلص من تقديس تاريخ المسلمين، مثل الغزوات والذين قاموا بما فيهم الصحابة.


إذا وصلنا إلى ذلك، فسوف نكون خطونا خطوة كبيرة إلى الأمام، وينتقل النقاش من خانة التكفير، مثلما فعل ويفعل الأزهر والسلفيين والقطاع الأكبر من أنصار الإسلام السياسي، إلى خانة النقاش الحر، ومن ثم  تجديد الدماء ووضع كل الأفكار أمام المجتمع.


لكن تبقى خطوة أخرى، وهي ضرورة أن نتقبل إلى انتقاد الدين نفسه. أقصد بشكل محدد القرآن الكريم، أي نقبل انتقاد الدين الإسلامي من خارجه. وإذا لم نفعل ذلك، فمن الصعب أو للدقة من المستحيل أن يتم تطوير من أي نوع. لأن التطور يحدث عندما تتحاور وتتصادم الأضداد، أي الأفكار المختلفة بشكل سلمي وديمقراطي حر.


أرجو ألا تنزعج، وسأعطيك مثالاً. كيف يمكن أن تعرف أن النبي (ص) كانت حروبه دفاعية، إذا لم يكن هناك من يقول وبالأدلة التي يراها أنه كان معتديًا وسفاكًا للدماء. كيف يمكن أن تدافع عن "نبي الرحمة" في أنه لم يكن يعادي الأديان والمعتقدات الأخرى ويقتل أصحابها، دون أن يكون هناك من يقول أنه ارتكب مجازر ضد خصومه السياسيين في المدينة ومنهم اليهود مثلاً. كيف تدافع عن أن القرآن لا يؤمر أتباعه بالكراهية والقتل، دون أن يكون هناك من يدعي ذلك.


ما أقصده هو أنه من المستحيل أن نطور رؤيتنا لديننا ونفهمه أكثر ونسترشد به أكثر، دون أن يكون هناك من يهاجمه وينتقده بضراوة،   ودعني أقول لك أن تطور الثقافة الدينية الإسلامية لم تحدث إلا في العهود التي كانت فيها حرية للجميع ، بما فيهم الذين ينكرون كل الأديان.


لكن هذا يستلزم الكثير والكثير. يستلزم أن يعود الدكتور صبحي منصور من منفاه ويكتب ويقول هو وأنصاره ما يشاؤون. يستلزم أن يقول أي مصري ما يشاء، حتى لو كان ملحدًا، دون أن يتم تكفيره وسجنه وسحله. بكلمة واحدة، الحرية، ليست فقط حرية الاعتقاد وانتقاد الأديان، ولكن لابد أن يكون لصيقاً بها حرية الرأي والتعبير والتنظيم، أي الحريات الفردية والعامة.


بدون ذلك، أظن، وليس كل الظن إثم، أن المطالبة ب"ثورة دينية"، ليست إلا بالونات سياسية، لا تفيد إلا أصحابها.