التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 01:10 م , بتوقيت القاهرة

دار القضاء.. قبلة الاحتجاجات ومقصد "أهل المظالم"


ساعات قليلة أمام مبنى دار القضاء يستعد خلالها لاستقبال الرئيس عبدالفتاح السيسي في أول زيارة له لقضاة مصر، غدا السبت، حيث يلتقي بشيوخ القضاة داخل المبنى المصمم على الطراز الإيطالي في وسط القاهرة.


خلاف ذلك يستقبل دار القضاء الآلاف يوميا ما بين أصحاب بلاغات، ومختصمين، وأهالي ضحايا وجناة إضافة، إلى المحامين والمستشارين، ويلتقي جميعهم داخل أكبر مؤسسات وزارة العدل لأسباب مختلفة، وكان شارع 26 يوليو، الذي يقع فيه دار القضاء العالي، يسمي بشارع بولاق، ويمثل جزء من مكونات منطقة بولاق التي زاد الاهتمام بها عندما خطط الخديوي إسماعيل "القاهرة الخديوية"، ووصل التخطيط الجديد من ميدان الإسماعيلية جنوبا إلى نهاية شارعي شريف "المدابغ" وسليمان باشا.


مصنع الأحداث وقبلة الاحتجاجات


من دار القضاء العالي انطلقت أبرز المظاهرات والاحتجاجات في مصر، ويوميا تجد أمامهما العشرات من المحتشدين بسبب مطالبات سياسية أو طلابية أو عمالية أوغيرها، فمنذ أن دعت حركة "كفاية" لأول وقفة أمام الدار في أواخر عام 2004 لتعلن رفضها التمديد للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك أو توريث الحكم لنجله جمال، شهد المبنى العديد من الفعاليات السياسية، فبعد التغيير الوزاري يوليو 2004، صاغ 300 من المثقفين المصريين والشخصيات العامة التي تمثل الطيف السياسي المصري وثيقة تأسيسية تطالب بتغيير سياسي حقيقي بمصر، وبإنهاء الظلم الاقتصادي والفساد في السياسة الخارجية، كما توالت الوقفات الاحتجاجية أمامه واتسعت مساحة التعبير عن الرأي، وأصبح من الممكن التعرض لأشخاص ورموز سياسية كانت بمثابة خط أحمر أمام الصحفيين والإعلاميين.


كما شهد محيط دار القضاء العالي في منتصف عام 2006، ما عرف بـ"انتفاضة القضاة"، التي دعا لها عدد من رموز القضاة، يتقدمهم رئيس النادي آنذاك، المستشار زكريا عبدالعزيز، احتجاجا على نظام الرئيس الأسبق، واستنكارا للتزوير في انتخابات مجلس الشعب 2005 لصالح الحزب الوطني.
وفي أواخر عام 2010،  بدأت رقعة الاحتجاجات تتزايد أمام دار القضاء العالي، حين شكل عدد من النواب المعارضين للرئيس الأسبق حسني مبارك ما يسمى بـ"البرلمان الموازي"، احتجاجا على ما وصفوه بتزوير الانتخابات ، وواصلوا التردد على دار القضاء حتى كان الحشد ليوم الخامس والعشرين من يناير، من أمام المبنى ليتجمع الثوار أمامه متوجهين بعدها إلى ميدان التحرير.


وفي عهد محمد مرسي ، كانت دار القضاء منبرا احتجاجيا لمؤيديه ومعارضيه، حيث احتشد مناصري الرئيس الأسبق وأعضاء جماعة الإخوان في شهر نوفمبر من عام 2012 ، عقب اصدار الإعلان الدستوري الذي قضى بموجبه بعزل نائب عام مصر وقتها، المستشار عبدالمجيد محمود، لتمكني المستشار طلعت عبدالله، النائب العام الجديد حينها، من الدخول إلى دار القضاء لممارسة عمله.


منصة الحكم ورمز التقاضي


يضم مبنى دار القضاء العالي الهيئات القضائية التي تتحكم في سير العدالة المصرية، إحدى هذه الهيئات محكمة النقض، وهي محكمة واحدة على مستوى البلاد، أنشئت في 2 مايو 1931، بوصفها قمة الهرم القضائي ورأس السلطة القضائية، إحدى السلطات الثلاث القائم عليها نظام الحكم في مصر، ويقال إن عبدالعزيز باشا فهمي هو الذي اختار لها اسم محكمة النقض، واستوحاه من الآية الكريمة "وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا".


ويتولى رئيس محكمة النقض رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، الذي يعد السلطة المعبرة عن قضاة مصر، ويضم بين أعضائه ممثلين من محاكم النقض والاستئناف والنيابة العامة، وينسق بين الهيئات القضائية المختلفة، كما يصدر قرارات التعيين بالسلك القضائي، كما يضم المبنى مكتب النائب العام، رأس النيابة  العامة في مصر، الذي يعد ممثل الهيئة القضائية التي  تنوب عن المجتمع بكل أفراده بما فيه النظام في شئون التقاضي، بالفحص والتحقيق ومطالبة المحاكم المختلفة بتوقيع الجزاء الجنائي على المتهين.


ويباشر النائب العام، بمكتبه الفني ونواب العموم المساعدين، التحقيقات في الدعاوى المقامة أمامه، والأحداث والقضايا اليومية، ثم تحال القضايا للجهات القضائية المختصة، عبر المحاكم المختلفة، سواء أكانت جنايات أم جنح، كما أن النيابة طبقا للقانون تقف على مسافة واحدة من جميع المتقاضين، سواء تابعين للنظام أو معارضة، أو مواطنين ليس لهم انتماءات.


وتقع محكمة استئناف القاهرة كذلك بذات المبنى، وتضم مكاتب رئيس المحكمة، والأمين العام، ونوابه المساعدين، وكذلك دوائر محاكم الاستئناف التي تنظر القضايا المعروضة أمامها، كما يحتوي المبنى على قاعات محاكم جنايات شمال القاهرة، وجنوب القاهرة، وكذلك جنايات شمال الجيزة، وجنايات جنوب الجيزة.


وبحسب مصدر قضائي بدار القضاء العالي، فإن المبنى يستقبل يوميا حوالي 800 قضية بمحاكم الجنايات والنقض والاستئناف.


محاكمة نظامي "مبارك" و "مرسي"


شهدت دار القضاء العالي، العديد من المحاكمات والقرارات الهامة في تاريخ مصر الحديثة، من بينها قرار النيابة العامة الشهير بإحالة رموز نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك لمحكمة الجنايات، بعد اتهامهم بقتل المتظاهرين إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير، وإهدار المال العام،  والاستيلاء على مقدرات الدولة والتربح بغير وجه حق، على مدار عشرات السنين.


كما قرر النائب العام الحالي، المستشار هشام بركات، فتح التحقيق في أحداث الاتحادية، التي انتهى فيها إلي إحالة الرئيس الأسبق محمد مرسي ومساعديه وقيادات الجماعة إلي المحاكمة بتهمة التحريض علي قتل أحد المتظاهرين، وكلف قوات الأمن بفض اعتصامي أنصار الإخوان بميداني رابعة العدوية ونهضة مصر.


وصدرت العديد من القرارات بحق قيادات جماعة الإخوان، حيث أحيل محمد مرسي وأعضاء مكتب الإرشاد للمحاكمة بتهمة التآمر علي مصر مع حركة "حماس" وتنظيم "حزب الله"، اإقتحام السجون المصرية واستهداف المنشآت الأمنية أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير، بهدف نشر الفوضى في مصر، وأحالهم أيضا في القضية المعروفة إعلاميا باسم  "التخابر" التي قالت النيابة عنها في تحرياتها إن الرئيس الأسبق سرب فيها تقارير الأمن القومي إلي جهات أجنبية مكأفاة لها على مساعدتها جماعته في الاستيلاء على الحكم.