التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 01:14 م , بتوقيت القاهرة

إنّ القتل لنا عادة

أنْ تنشر صحيفة لبنانية، واقعة سياسيًا ضمن إعلام محور الممانعة، خبرًا عن اشتباه الادعاء في المحكمة الخاصة بلبنان بصلة ما لنائب من حزب الله في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أمر يعطي الخبر المذكور مصداقية عالية. فلو لم يكن مثل هذا التوجه لدى الادعاء قائما، بل محسوما، لما كانت الصحيفة الممانعة غامرت في النشر بما يحمله من تلطيخ لسمعة النائب المعني وحزبه.
ولأن كانت صحيفة لبنانية أخرى، أكثر ممانعاتية، قد تعمّدت كشف هوية النائب المعني، صار الاشتباه بالرجل قائمًا قبل أن تقيمه المحكمة الخاصة بلبنان بوثائقها وآليات عملها. 
مع ذلك، ما يستوقف المرء هو الفاجعة الكامنة في ما تكشَّف عنه رد الفعل على الخبر، شعبيًا وسياسيًا وإعلاميًا في لبنان .
 لا يمر خبر كهذا في بلد طبيعي مرور الكرام. الاشتباه بنائب في جريمة اغتيال سياسي، بصرف النظر عن جدية الاشتباه أو عدمه، وهو ما تقرره المحكمة، ليس من نوع أخبار الفضائح التي تتسلى بها الصحافة الصفراء عادة. 
كما أن الخبر يطُول يومنا هذا وليس أمس الحرب الأهلية،  وحول النائب المعني أخبار وأخبار فيها لا سيما في حقبة "تطهير" البلد من رجس اليسار.
طبعاً لا يخفى أن بطء المحكمة الخاصة بلبنان وبطء العدالة الدولية عامة، واصطدام التوقعات الشعبية من المحكمة بهذا البطء، خفَّض من مستوى المتابعة والحماس للأخبار المتصلة بها وبجريمة مضى على حدوثها عشرُ سنوات. 
لكن هذا وحده لا يُفسر أن لا يثير خبر الاشتباه بنائب حالي في الجريمة ما ينبغي أن يثيره. 
الفاجعة تكمُن في حال من التطبيع مع فكرة أن حزبَ النائب حزبٌ يقتل، بحيث لم يعد خبر الاشتباه بنائب فيه أو مسؤول أو قيادي أو عنصر بجريمة القتل، أكانت هذه أو غيرها؟ خارج إطار البداهة. فالخبر المثير صار أن نكتشف يومًا أن كل ما حيك عن صلة حزب الله بالقتل والاغتيال السياسي هو مؤامرة كبيرة حيكت ضد عقلنا ووعينا .
الفاجعة المضاعفة أن شيئًا ما في سلوك حزب الله والكثير من جمهوره حيال الجريمة السياسية يشي بأنه تطبع مع فكرة أن الاغتيال السياسي هو جزء من إدارة الحزب لعلاقته مع المختلفين معه، وهؤلاء عادة خونة وعملاء، وحديثاً، تكفيريون. 
لم تعد فكرة القتل تستفز الحزب. لم تعد تستفز الكثير من جمهوره. كأنهما في مكان ما يقولون: حسناً، قتلنا فماذا أنتم فاعلون؟ الأمر أبعد من النكاية. هو احتضان كامل لموجبات العقيدة والأيديولوجيا والخطاب، خالياً من المجاملات التي يستوجبها التكاذب الأهلي والطوائفي في لبنان. 
فمن قتلوا يستأهلون القتل، إن كان للمرء أن يكون في الجهة المقابلة للقتلى وصادقًا في ما يعتقد. ومن لم يُقتلوا بعد فلأن أوانهم لم يحن. ألم تستعجل مرة إحدى الإعلاميات في قناة مقاومة الخلاص من النائب في كتلة المستقبل أحمد فتفت وهي في سياق التغطية الإخبارية لخبر اغتيال النائب في الكتلة نفسها وليد عيدو؟ 
ألم تقل، ولم تكن تعرف أنها على الهواء، إنهم تأخروا في قتل وليد عيدو وأنها تنتظر بفارغ الصبر قتل أحمد فتفت؟ هذا هو الاعتياد على فكرة القتل بل على تبنيه والإيمان بضرورته وشرعيته.
أذكر أنه في يوم دفن، الأقرب إلى عقلي، الوزير الشهيد محمد شطح، اقترب مني ضابط رفيع المستوى ليس في خندق قوى الرابع عشر من آذار معزيا، وسألني بشيء من الود الحقيقي: هل تنتبه على نفسك؟ فعاجلته بسؤال مقابل: هل تملك فكرة عمن يجب أن أنتبه منه؟ فابتسم بحسرة لم ينجح في إخفائها.
رد الفعل على خبر الاشتباه بنائب من حزب الله في جريمة الحريري، أو غيابه على وجه أدق يكشف اعتيادين. 
اعتيادنا أن حزب الله يقتل واعتياد الحزب أنه يملك كل الأسباب الشرعية للقتل.