"عبدالمسيح" وحكاية الجوع والقانون وسوق العيش
كثر الحديث عن عبدالمسيح عزت عزيز، في ضاحية بمدينة الفشن في بني سويف. قالوا إنه سارق، وآخرون يؤكدون أنه جائع. "عبدالمسيح"، أو كما يناديه جيرانه وعائلته "فادي"، طفل في الحادية عشرة من عمره، وهو تلميذ في المدرسة الابتدائية.
قرب بيت جده بنفس الضاحية، أو عند بيت أسرته في المنطقة نفسها، يلعب "فادي" مع أقرانه، يتبادلون النظرات والصيحات ويضحكون. أطفال لا قبل لهم بمسؤوليات الحياة الثقيلة أو الاتهامات بعدم المسؤولية.
متهم "فادي" بسرقة أكثر من 116 رغيف خبز قبل ما يزيد عن العام. وحكمت محكمة جنح طفل بني سويف جزئي (أول درجة) بإدانته في القضية وقررت إيداعه دار رعاية اجتماعية لمدة غير محددة.
حكم بالإدانة
وقضت محكمة جنح طفل بني سويف (مستأتف) بإدانته ضمنا بحكمها بـ"تسليم الطفل لولي أمره" وهو حكم حسب مصدر قضائي لا يعني براءته من التهمة المنسوبة إليه.
واجه نفس الاتهامات مع "فادي" رفيقيه جمال إسماعيل محمد، وعبدالرحمن رمضان عويس، وكانوا جميعا في عمر التاسعة وقت الواقعة. وبالطبع واجها نفس الاتهامات ونفس الحكم.
أثبت محضر الشرطة المحرر في 20 نوفمبر 2012 أن الأطفال الثلاثة دأبوا على سرقة العيش يوميا، بحسب أوراق القضية التي اطلع عليها "دوت مصر" لدى سكرتير جلسة محاكمة الأطفال الأخيرة عبدالعاطي عبدالمجيد.
خبز مدعم
وقت الحادث كان مشروع توصيل الخبز للمنازل يتولي توزيع الخبر المدعم على المواطنين. يوضح أهالي المنطقة أن "تروسيكل" كان يمر على المنازل ويضع العيش في أكياس تعلقها ربات البيوت من شرفاتهن نظرا لمرور مسؤولي توزيع الخبز مبكرا.
يقول جيران "فادي" إن الطفل لم يعتد سرقة الخبز، ولكنه ربما فعل ذلك يومها هو وزملاءه. أما "فادي" نفسه، أو "عبدالمسيح"، فيقول إنه كان جائعا هو ورفيقيه فأخذوا 5 أرغفة فقط من كيس أكملوا بها إفطارهم.
جنحة سرقة
لا يفرق القانون بين سرقة 5 أرغفة خبر أو سرقة مائة أو غيره، فالسرقة كلها سرقة. يقول مدير نيابة الطفل كريم فواز "لو جالي حد عايز يعمل بلاغ بسرقة اتنين جنيه هاعمله بلاغ مش هقوله دول اتنين جنيه".
على الرغم من ذلك يشير رجل النيابة إلى أن قيمة المسروقات تقديرية لإقامة الدعوى لدى القاضي. نظر قضية "عبدالمسيح" والحكم عليه أثار سخط الكثيرين في الشارع على المبّلغ، ومحرر المحضر، ومحكمة أول درجة التي أدانت الأطفال.
يوضح "فادي": "كنت طالع من المدرسة، وكان معايا اتنين جنيه، والعيال جولي قالولي تعالى نروح نجيب أكل روحنا جبنا الأكل.. العيش خلص اللي كان معانا، راح الواد مد إيده خد 5 أرغفة، وقعدنا كلنا بيهم.. آدي اللي حصل.. الرجل يحسبنا حرامية راح خدنا ودّانا المركز".
يتابع الطفل: "الناس جريوا ورانا وكتفونا، وضربونا وودونا المركز، ضربونا وخلونا اعترفنا". يسكن "فادي" في منطقة غير مخططة بمدينة الفشن، لا طرق مرصوفة في حي الصبي القاطن مع أبيه سائق "الحنطور"، وأمه ربة المنزل، وأختيه وأخوه عند شارع الكنيسة الغربية.
تفاصيل قديمة
قالت والدة الطفل إنه في ختام يوم 20 نوفمبر 2012 وبعد التحقيقات، استلمت طفلها من سراي النيابة وهناك "قالولي المحضر اتحفظ".
لم تعلم أسرة "فادي" شيئا عن حكم محكمة أول درجة الصادر في 31 يناير 2013 والقاضي بإيداع الطفل مؤسسة رعاية إجتماعية إلا قبل نحو أسبوعين، فرفعت "معارضة" للحكم.
تقول والدة الطفل "جه أمين من المركز قال عايز عبدالمسيح عشان يتسلم للاصلاحية.. الأمين كان معرفة لما قولناله الحكاية قال طيب مش هستلمه دلوقت إلا لما تعملوا معارضة".
شهود وعودة
"عيد ج" و"أحمد ح" شهدا ضد الأطفال أولا بسرقة العيش، وأقنعهما الأهالي بتغيير أقوالهما. وأمام المحكمة حاول الشاهدان تعديل أقوالهما فحذرهما القاضي من أنهما قد يواجهان تهمة البلاغ الكاذب، فأصرا على أقوالهما السابقة.
في حواري ضواحي الفشن، ما زال "عبدالمسيح" يلعب مع أقرانه ويلهو ويضحك، غير عابيء بمحاضر الشرطة وأوراق النيابة، وأحكام القضاء.