التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 03:11 م , بتوقيت القاهرة

دراسة: مصر أنشات 15 محطة كهرباء عاملة بالغاز و 4 بالطاقة الشمسية و6 بالمياه

وزارة الكهرباء والطاقة
وزارة الكهرباء والطاقة
أعد الباحث مصطفى عبد الله دراسة جديدة تحت عنوان "الاقتصاد الأخضر : تجارب دولية ناجحة لإنقاذ الكوكب" نشرها المركز المصرى للفكر والدراسات، وأكد خلالها أنه على مدار الأعوام القليلة الماضية، شهد كوكب الأرض موجات غير مسبوقة من الظواهر الطبيعية القاسية، مثل ارتفاع درجات الحرارة صيفًا واشتداد درجات البرودة شتاءً، فضلًا عن انتشار الفيضانات والأعاصير والحرائق البرية، وهو ما دق ناقوس خطر دولي. فقد وصلت البيئة العالمية وفق تقارير العديد من المراكز العلمية إلى مرحلة حرجة لا يمكن معالجة أضرارها إلا ببذل الكثير من المجهودات المضنية.

ولفت الباحث إلى أنه من المتوقع تستمر تلك المجهودات لفترات زمنية طويلة قد تصل إلى عقود فور البدء في تفعيلها، لكن على الرغم من تفعيل تلك المجهودات الإصلاحية لن تعود الأرض إلى سابق عهدها قبل انطلاق الثورة الصناعية، بل سيكون أقصى طموح بني البشر فقط هو إنقاذ كوكبهم من حالة الدمار المتسارعة، وهو ما سيضمن البقاء لهم ولكافة الكائنات الحية، لذلك أقر عدد من دول العالم الكبرى وفي مقدمتها الصين وروسيا والهند والولايات المتحدة الأمريكية اتفاق باريس للمناخ أواخر عام 2015م، والذي وقعت عليه خلال السنوات اللاحقة أغلب دول العالم، حيث وصل عددها الإجمالي في 2020م إلى 192 دولة مُوقَعَة.

وذكرت الدراسة أنه كان من أكبر طموحات الموقعين على الاتفاق هو بدرجات الاحترار العالمي لأقل من 2 درجة مئوية، حيث يعول على نتائج الاتفاق أن تنعكس بالإيجاب على معدلات ذوبان الجليد، وهو ما سيحد من ارتفاع مستويات المياه في البحار والمحيطات. ولقد جاءت قمة COP 26 المقامة حاليًا في مدينة جلاسكو الإنجليزية، لتؤكد على هذا الهدف، ولتضع الأطر والخطط الدولية المؤدية إليه، وذلك إلى جانب مناقشة العديد من النقاط الخلافية الأخرى الواردة في اتفاق باريس، والتي لم تصل دول العالم إلى توافق حولها إلى الآن.

وأشارت الدراسة إلى أن الاقتصاد الأخضر وفق مفهوم الأمم المتحدة  عبارة عن نشاط قابل لاستخدام الموارد بكفاءة عالية جدًا، وذو انبعاثات كربونية منخفضة لأقصى الحدود، وتستطيع أن تشمل فوائده كافة أطراف المجتمع، فمن المفترض أن تنفذ أنشطة هذا النمط من الاقتصاد كافة الكيانات الاستثمارية من القطاعات العامة والخاصة على مستوى العالم، وذلك لخلق أكبر عدد من الوظائف وتحقيق أعلى قدر من العوائد المادية، وتركز أنشطة الاقتصاد الأخضر عملها على تشييد وإدارة البنية التحتية والمشروعات التي من شأنها تقليل الانبعاثات والملوثات الكربونية، بالإضافة إلى تعزيز فاعلية استخدام المصادر الطبيعية والطاقة باختلاف أشكالها، وهو ما يحمي الأرض من أخطار فقدان تنوعها البيولوجي ونظامها البيئي الذي ظلت حالته بخير على مدار ملايين السنين وحتى قيام الثورة الصناعية. 

واستطردت:"لكن مفهوم الاقتصاد الأخضر لا يمكن أن يتم تنفيذه بدون وضع السياسات الحكومية والإجراءات الداعمة له على المستويات المحلية والدولية، وهو ما سيؤمن المظلة الدافعة لزيادة الاستثمار والإنفاق عليه من قبل المستثمرين والأفراد. وكذا، لا يمكن النجاح في تنفيذ مفهوم الاقتصاد الأخضر بدون تحديد وتقدير حجم ما هو متاح من المصادر الطبيعية، وذلك لوضع الخطط الناجعة لاستخدامها على المديات الطويلة ، يجب لتنفيذ فكرة الاقتصاد الأخضر أن يكون هناك قدر من التوافق مع أهداف التنمية المستدامة، حيث من المفترض أن يعزز مفهوم الاقتصاد الأخضر كافة أهداف التنمية المستدامة من خلال دفع وتعزيز تواجد الاستثمارات النظيفة على الساحة العالمية، ويعزز أيضًا فكرة الاستهلاك الرشيد وتقليل هدر الموارد الطبيعية".

لفتت الدراسة إلى أن دول عديدة استطاعت تحقيق طفرات غير مسبوقة في مجال الاقتصاديات الخضراء خلال السنوات الماضية، إذ قام بعضها بتقوية العلوم والصناعات المتعلقة بمصادر الطاقة المتجددة، فيما توجهت دول أخرى إلى تعزيز شبكات الإنتاج الزراعي الصديق للبيئة، والبعض الآخر استطاع التميز في تشييد المجتمعات العمرانية المستدامة الفقرات التالية ستذكر لنا أمثلة لتلك الدول، والتي حققت طفرات غير مسبوقة في بعض ملفات الاقتصاد الأخضر نستعرضها فيما يلى.

 

الصين

 

تساهم الصين منفردة بأكثر من 25% من نسبة الانبعاثات الحرارية الناتجة عن كافة دول العالم، حيث تتفوق بذلك على مجموع ما تنتجه دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والهند، لذلك بدأت الصين منذ عام 2005م في اتباع استراتيجية شاملة وطويلة المدى، للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، ولقد كان من أحد أعمدة تلك الاستراتيجية تحويل كافة مصادر الطاقة المتوفرة في البلاد إلى مصادر نظيفة. البداية كانت حينما قررت الصين أن تحول ما نسبته 16% من مصادر الطاقة الأساسية المتوفرة إلى مصادر صديقة للبيئة، وذلك بحلول العقد الثالث من الألفية الجديدة.

سعت الصين إلى زيادة إمكاناتها التقنية لإنتاج الكهرباء بقوة الرياح بنسبة 70% وذلك خلال الفترة 2005-2020م؛ لكي تصل إلى معدل إنتاج يقارب 100 جيجا وات/ ساعة من الكهرباء المنتجة من طواحين الهواء، لذلك أفردت العديد من القوانين الداعمة لعمل مصنعي الطواحين الهوائية العملاقة، وشجعت على دخول الشركات الوطنية في شركات لتعظيم إمكاناتها في هذا المجال. إلى جانب ذلك، عززت من إمكانات مراكز الأبحاث الوطنية؛ لتطوير أجيال جديدة من طواحين الهواء وتوربيناتها.

وسعت الصين أيضا إلى تطوير قدراتها في تصنيع وتشغيل محطات الطاقة الشمسية؛ لكي تنتج قرابة 20 جيجا وات/ساعة من الكهرباء الشمسية. وكان من أحد مستهدفاتها أن تغذي 10% من المنازل بسخانات المياه الشمسية، وذلك لتقليل استهلاك الكهرباء لحدودها الدنيا. وكان من نتاج تلك السياسات الناجحة أن استطاعت الصين تشغيل قرابة 2 مليون عامل بمجال الطاقة المتجددة، لتصبح بذلك أحد أمهر الدول في تحقيق مناحي الاستدامة المختلفة بملف الطاقة المتجددة.

 

البرازيل

 

تعاني البلاد من معدلات عالية للزيادة السكانية، حيث تقدر نسبتها سنويًا بحوالي 1.8% من إجمالي تعداد الشعب العام، وهو ما يخلق بدوره طلبًا كبيرًا على النمو العمراني لتلبية احتياجات المواطنين. وقد وضع ذلك البرازيل تحت ضغط تحدٍ بيئي واقتصادي كبير نتيجة لارتفاع متطلبات المواطنين، في ظل ظروف اقتصادية متواضعة تعاني منها الدولة.

تعد البرازيل رابع أكبر دولة من حيث الكثافة السكانية على مستوى العالم، وذلك بعد الصين والهند والولايات المتحدة، حيث تكتظ مدنها بالمواطنين وبالأحياء السكنية المنتمية لمختلف الطبقات الاجتماعية، وما يتبعها من تكدسات مرورية، لذلك أبدعت السلطات نموذجًا متطورًا ومستدامًا للنقل الحضري بمدينة كوريتينا البرازيلية عاصمة إقليم بارانا. وحرصت السلطات على خلق مساحات جديدة للمنشآت الصناعية، وهو ما من شأنه خلق الوظائف للمواطنين.

المشكلة في مدينة كوريتينا كانت أنها تسجل كثافات سكانية متصاعدة 1.5 مليون نسمة خلال أقل من 4 عقود من الزمن، وهو ما زاد من حجم العشوائيات في المدينة، وأدى إلى زيادة الاعتماد على وسائل النقل الخاص الملوث للبيئة، بالإضافة إلى تقليص حصة المواطنين من المساحات الخضراء والمفتوحة. لكن مسؤولي المدينة قاموا بتنفيذ برنامج مدمج ومتطور للتخطيط العمراني، حيث وضعوا خطة كاملة لبنية تحتية وصناعية تراعي البعد البيئي بالمدينة، بتحويل مساحات غير مستغلة إلى حدائق وتنزهات مليئة بالأشجار، وقاموا بنقل ساكني المناطق غير الآمنة والتي عادة ما تضربها السيول إلى مناطق أخرى آمنة ومنازل حديثة وآدمية.

وعلاوة على ذلك، دعمت الصناعة بتشييد مدينة كوريتينا الصناعية، والتي تحتوي الآن على أكثر من 700 شركة، وتوفر 200 ألف وظيفة لأبناء المدينة بشكل مباشر وغير مباشر. إلى جانب ذلك، اهتمت المدينة بخلق منظومة التعامل مع المخلفات البلدية والصلبة، لخدمة السكان والشركات الصناعية على حد سواء، وهو ما ساعد على تدوير 70% من إجمالي مخلفات المدينة، ليقلل بذلك من نسب حرقها وما يتبعه من تلويث للهواء الجوي. وأخيرًا قامت المدينة بتسهيل تنقل المواطنين اليومي من خلال استحداث منظومات التنقل السريع BRT.

وفيما يتعلق بمصر فقد عملت الدولة المصرية منذ عام 2014 على تدعيم مفهوم الاقتصاد الأخضر في نواحي تنموية عدة، أولها البنية التحية والتي حازت إلى الآن نصيب الأسد من إجمالي تلك المشروعات، تأتي بعدها مشروعات الطاقة والمشروعات الصناعية والسياحية الصديقة للبيئة، ونذكر في النقاط التالية أهم تلك المشروعات:

 

البنية التحتية

 

أقدمت الدولة على إحداث حركة تنموية غير مسبوقة بشبكات النقل السريع والداخلي في كافة أقاليم البلاد، ولقد كان أكبرها مشروع القطار السريع الرابط بين مدينتي السخنة والعلمين والذي يعمل بالطاقة الكهربائية وغير ملوث للبيئة تمامًا، ويختصر زمن الرحلة بين الوجهتين بنسية 60%، مما يحفز الركاب على عدم استقلال المركبات العادية مثل السيارات الشخصية والحافلات والتي تمثل أحد أكبر ملوثات البيئة من وسائل النقل البري.

وتعمل الدولة حاليًا على تشييد عدد من خطوط المنورويل لتسهيل الربط بين العاصمة ومناطق العاصمة الإدارية الجديدة ومدن أكتوبر، حيث من المنتظر أن تساهم تلك الخطوط في تخفيف الضغط عن المحاور المرورية المعتادة والمؤدية إلى شرق وغرب القاهرة، وستساهم في تقليل الانبعاثات الناتجة عن حركة التنقل في هاتين الوجهتين إلى حدود لم تكن مسبوقة من قبل.

تطوير مترو الإنفاق كان هو الآخر بمثابة مشروع تنموي أخضر داخل العاصمة القاهرة، والتي يتركز فيها الآن قرابة 25 مليون مواطن مصري، أي ما يقارب ربع تعداد الشعب المصري، حيث تعمل الدولة الآن على إكمال المرحلتين الثالثة والرابعة من مشروع الخط الثالث لمترو القاهرة الكبرى، بالإضافة إلى تطوير الوحدات المتحركة والمعدات الفنية للخطين الأول والثاني، وهو ما يعزز من تنافسية خدمات مترو الأنفاق أمام وسائل النقل الأخرى التقليدية والملوثة للبيئة بالقاهرة.

 

مشروعات الطاقة

 

اعتمادًا على ما تمتلكه من اكتشافات كبيرة للغاز للطبيعي، بالإضافة إلى وجود مناطق جغرافية متميزة بطبيعة جوها المشمس، وأيضا مناطق أخرى تتصف باشتداد حركة الرياح فيها، قامت الدولة بعمل شبكة من مشروعات توليد وإنتاج الطاقة الكهربية كمحطات الكهرباء العاملة بالغاز والتي فاق عددها 15 محطة، بالإضافة إلى 4 محطات عاملة بالطاقة الشمسية وطاقة طواحين الهواء، و 6 محطات عاملة بطاقة المياه، وهو ما أمكن من إنتاج 13.5 ألف جيجا وات ساعة، أي ما يمثل 7% من إنتاج الشبكة العامة للكهرباء حتى الآن، وتسعى الدولة إلى أن تصل بها في نهاية 2022م لأكثر من 20% من مزيج الطاقة المحلية.

 

المشروعات الصناعية

 

 

تحفز الدولة المصرية المستثمرين سواء المحليين منهم او الأجانب على تشييد المؤسسات الصناعية عالية التقنية، مثل معامل الإلكترونيات ومصانع السيارات ومجمعات إعادة تدوير وتصنيع النفايات، وذلك لرغبتها في مجاراة تطويرات الغد القائمة على الصناعات الصديقة للبيئة وقليلة الانبعاثات، فضلًا عن عملها على تقويم أوضاع واشتراطات السلامة والأمن البيئي بالمؤسسات الصناعية كثيفة التلويث للبيئة والمناخ.

 

المشروعات السياحية صديقة البيئة:

 

يتوجه العالم الآن نحو فكرة السياحة المسؤولة، والتي تهدف إلى تقليل أثر النشاط السياحي على البيئة إلى حدوده الدنيا، ولقد قامت الحكومة المصرية في هذا الصدد بالعديد من الإجراءات كان منها حملة eco-Egypt والتي استهدفت توعية السائحين والشركات السياحية بضرورة الحفاظ على البيئة المحلية واستدامتها، حتى يتسنى لهم ولغيرهم من السائحين الاستمتاع بها.

وقامت الدولة بعمل ترتيب شرفي خاص بالفنادق التي تراعي مبادئ الاستدامة والتي تُعرف الآن بالفنادق الخضراء، وهو ما يدفع الآن العديد من السائحين إلى الإقبال عليها والاستمتاع بتجربة خدماتها الصديقة للبيئة. فضلًا عن جهد الحكومة المبذول في توعية المشغلين السياحيين بأهمية تنبيه ضيوف البلاد من السائحين، في حال صدر منهم أي سلوك مضر بالبيئة.

وأشارت الدراسة إلى إن فكرة الاقتصاد الأخضر لم تعد ترفًا أو شعارات سياسية براقة، بل هي ضرورة يجب أن تتسابق عليها دول العالم كافة، وذلك لإنقاذ عالمنا مما يعانيه حاليًا من أزمات بيئية ومناخية، تتصاعد يوميًا جراء عدم اكتراث العديد من الدول بعقبات انهيار النظام البيئي.