التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 02:11 م , بتوقيت القاهرة

لماذا يسعى الأجانب للاستحواذ على قطاع الخدمات فى مصر؟

فى أحد أشهر معامل التحاليل الطبية فى مصر، وقف رجل فى الخمسينات من عمره، يراجع مع الموظف أنواع التحاليل التى وصفها الطبيب له، وطلب إجراءها، وبعدما فرغ من مراجعتها سأل الرجلُ الموظفَ: كم تتكلف هذه التحاليل؟ فرد الموظف: 1970 جنيه يا أفندم بعد الخصم - طبقا لكارنيه المواطن التأمينى والنقابة التابع لها-، فقال الرجل الخمسيني: وكم التكلفة قبل الخصم؟ فرد الموظف: 4700 جنيه يا أفندم.


هذا جزء من حوار سمعته منذ أيام، فى أحد معامل التحاليل، ولم يلفت انتباهى أنا فقط، لكن جميع المتواجدين فى المكان استغربوا من الرقم الأخير، متسائلين: ماذا يمكن أن يفعل المواطن البسيط الذي يريد إجراء تحليل مثل هذه، إذا لم يكن لديه تأمين صحى، وكيف يمكنه تدبير مثل هذا المبلغ؟ ولماذا ترتفع أسعار هذه الخدمات؟


الموقف السابق، أثار قضية مهمة جدا، وهى استحواذ الشركات الأجنبية والعربية على قطاع من أهم القطاعات بمصر، وهو قطاع الخدمات، كل الخدمات، سواء الخدمات الصحية، أو خدمات النقل، أو خدمات الاتصالات، وغيرها الكثير، إلا أن هذه الخدمات الثلاث هى الأكثر تأثيرا.


ففي قطاع الصحة استحوذت شركة عربية على أهم وأكبر معامل التحاليل فى مصر بشكل كامل، بالإضافة إلى 10 مستشفيات كبرى، وهو ما ساهم بشكل كبير فى ارتفاع أسعار هذه الخدمة فى كل أنحاء الجمهورية.


وفي قطاع النقل أيضا، بدأت الشركات الأجنبية فى الاستحواذ على حصة كبيرة من قطاع النقل والمواصلات، للعمل كتاكسي واستدعائه بالموبايل، وتبعها شركات نقل جماعى أخرى خاصة بالأوتوبيسات المكيفة، وفرضت أيضا أسعارا عالية جدا بالنسبة لدخول المصريين العاديين.


وفي قطاع الاتصالات، حدث ولا حرج، فتقريبا 70% من القطاع تسيطر عليه شركات أجنبية، بالإضافة إلى استحواذ صندوق أمريكى منذ فترة على أكبر وأهم شركة دفع إلكتروني فى مصر.


وفي الأيام الأخيرة، جاء إلى مصر وفد بريطاني من 50 شركة، وكان أهم القطاعات التى يسعون للعمل والاستثمار بها هى قطاع الخدمات الصحية وخدمات النقل .


اتجاه الشركات الأجنبية القوى نحو قطاع الخدمات يكشف حجم الأرباح الضخم الذي تتوقعه هذه الشركات من العمل بهذا القطاع، ولعل نموذج معمل التحاليل السابق خير دليل على ذلك، خصوصا أن التكلفة الحقيقية للتحاليل ليست بهذا القدر المبالغ فيه من التكلفة التى يدفعها المواطن مقابلها.


ورغم أن وجود هذه الشركات في مصر ليس خطأ، بل بالعكس نسعى جميعا لوجود هذه الاستثمارات المهمة بل وتوسعها، ولكن لابد لها أن تعمل تحت رقابة قوية من الحكومة، بحيث لا تتحول إلى احتكار كامل السوق أو القطاع وتتسبب في ارتفاع الأسعار، أو القضاء على الخدمة التى تقدمها الحكومة، في ظل ضعف أداء المؤسسات الحكومية العاملة فى القطاع، وعدم قدرتها على تقديم خدمة منافسة.


والحل لن يكون أبدا بمنع هذه الشركات من التواجد فى السوق المصرى، لكن بتقنين وضعها، وعملها تحت رقابة قانونية، وتحديث وتطوير المؤسسات المصرية الوطنية، بحيث تستطيع المنافسة في السوق وتقديم خدمة جيدة، وبسعر مناسب لكل فئات المجتمع الذى يقبع معظمه تحت خط الفقر..فهل تنتبه الحكومة لهذا القطاع المهم (قطاع الخدمات) قبل أن تصحو يوما وتجد أنه أصبح خارج سيطرتها وفي يد شركات أجنبية لا تهتم إلا بالربح؟