"الزنا بالأجرة حلال؟!".. واقعة عمر بن الخطاب تثير الشكوك ورأي الفقهاء يحسم الجدل
الإلحاد لا يتأتى من تلقاء نفسه، ولكن هناك من يغذيه ويدفع به، حتى يكون ظاهرة مؤثرة وطاغية، فمن أجل شبهة دينية تدخل التشكيك في العقيدة الإسلامية، يدفع البعض بالمسائل الشائكة في الفقه الإسلامي للصدارة، بهدف إظهار خلل في العقيدة الإسلامية، وحتى تعم البلوى وتنتشر الرذيلة، دفع بعض المشككين مسألة جديدة للإمام أبو حنيفة أدعوا فيها أنه إذا استأجر رجلا امرأة ليزني بها فلا حد عليهما.
واستدل هؤلاء بواقعة حدثت في عهد الخلفاء الراشدين، عندما جاءت امرأة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب وقالت له إنها زنت مقابل 3 أكباش من التمر فعفا عنها وأسقط الحد.
واعتبر المشككون بأن الإسلام يدعو الشباب إلى الزنا بالأجر، مستشهدين بأن مذهب أبو حنيفة يقول إن الحد يسقط عن الزنا بأجرة، لتكون دعوة لشباب المسلمين ليسقط في براثن الرذيلة، وتنتشر الفحشاء وتعم البلوى، وتصبح الزنا مهنة تمتهن دون وجود زواجر أو قوانين رادعة.
وردا منهم، اعتبر علماء الأزهر الشريف، أن طرح تلك المسألة بهذا التصور هو افتراءات على الإمام أبو حنيفة النعمان، وتحريف واضح لرأي فقهي، ونص صريح من القرآن والسنة بهدف التشكيك وإشاعة الفوضى ونشر الرذيلة والفاحشة، حتى يقع شباب المسلمين في شباك الفواحش.
حدود واجبة
ومن جانبه قال الدكتور محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الحدود في الإسلام مشروعة بهدف الردع ولحماية المجتمع، ويقابلها في وقتنا الحالي القوانين والعقوبات المنصوص عليها بالدستور، ولا يمكن أن تخلو مسألة من المسائل المخالفة للقانون دون وجود عقوبة لمرتكبها، وهذا الأمر ينطبق على المساءل الشرعية، والحدود التي أقرتها الشريعة لمعاقبة مرتكبي هذه الأفعال.
وقال مهنا إن ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة النعمان في هذا الرأي في ظاهره، يجعل المشككون يستندون إليه بأن الإسلام يبيح الزنا في قول أبو حنيفة إنه لا حد على رجل استأجر أمرة ثم زنا بها، هو افتئات وتلفيق للإمام الأعظم أبو النعمان، مؤكدا على أن الإسلام نهى صراحة ووضوحا عن الوقوع في الزنا، كما غلظ في العقوبة الخاصة بالزاني، فقال تعالى "وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ? إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا".
وأضاف عضو هيئة كبار العلماء، أن السنة النبوية ورد بها أحاديث نبوية تزجر وتنهي عن الاقتراب من الزنا، مشيرًا إلى قوله عليه الصلاة والسلام "مثل الذي يجلس على فراش المغيبة مثل الذي ينهشه أسود من أساود يوم القيامة"، وقوله أيضًا "ما ظهر الربا والزنا في قوم إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله - عز وجل" وغير ذلك من الأحاديث النبوية التي تنهي عن الزنا وتنذر بالعقوبة الوخيمة لمرتكبها، فكيف لأبي حنيفة أن يسقط حدا من الحدود في مرتكب كبيرة من الكبائر.
تفصيل المسألة
وحول تفصيل المسألة أكد الدكتور أحمد شلبي أستاذ الفقه الحنفي بجامعة الأزهر، بأن المسألة بهذا الشكل ناقصة وغير واضحة، ولا يمكن احتسابها بمفهومها الظاهر على أنها رأي فقهي، ولكنها دعوة صريحة من أعداء الدين للزنا.
وأشار أستاذ الفقه الحنفي، إلى أن المسألة بشكلها الحقيقي هي أن جمهور الفقهاء يرون أن من استأجر امرأة ليزني بها أو لغير ذلك فزنى بها فعليه الحد، لأنه لا تصح إجارتها للزنا، ويعد عقد الإجارة هنا عقدًا فاسدًا لا يقع، لذا وجب الحد، ومثل ذلك أيضًا من يستأجر امرأة لخدمته في البيت ثم يزني بها، فهنا عليه الحد أيضًا.
ونوه أستاذ الفقه إلى أن الفقهاء أيضًا اشترطوا لإقامة الحد شروطًا عديدة أهمها ثبوت الزنا، وذلك وفق ثلاثة أمور: منها أن يقر لأربع مرات متتالية، أن يكون مرئي العين، وأن يكون مرتكب الفعل عاقل بالغ عارف بالأحكام، وبعضهم اشترط الشهود وأن تتوافر بهم عدة شروط لقبول الشهادة منهم.
واشار إلى أن الشهادة عند الفقهاء شرط لثبوت الزنا وليست أي شهادة فلابد أن يكون الشاهدين متوافرة بهم شروط، ودرءا للشبهات وعملا بقول النبي "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، فإن وجود حالة زنا بدون توافر الأركان التي تحقق ثبوت الجريمة يسقط الحد لكنه لا يسقط الإثم والمعصية على المرتكب.
وبين أستاذ الفقه الحنفي، أن الإمام أبو حنيفة لا يفرق بين من زنت بأجرة أومن زنت بدون أجرة، لأنه يعتبر وقوع الإثم والحد عليهما، ولكن لوجود شبهة الأجرة فإنه ضعف من وجوب إقامة الحد عليهم عنده، مثله كمثل واقعة الزنا غير مكتملة الأركان أو مكتملة الشهود، لكن الإثم واقع والمعصية واقعة لا محالة، وبها قال جمهور الفقهاء، وهو المتعارف عليه بالأدلة والبراهين، فمثل ذلك من ارتكب جريمة دون وجود أدلة.
آراء أخرى
فيما يشير بعض العلماء إلى أن شبهة درأ الحد في الواقعة التي استدل بها البعض بقيام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بإسقاط الحد عن المرأة التي جاءت إليه قائلة له بأنها زنت مقابل ثلاث حفنات من التمر، بأن سقوط الحد كان عملا بالحديث الشريف "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، وذلك بما فيه من شبهتين الأولى انها كانت مكرهة على الزنا، فوقع زنا بالإكراه، والإكراه هنا الجوع الذي دفع بها إلى ارتكاب الفعل، وهو مادل عليه أنها تقاضت ثلاث حفنات بها.
ومنه أيضًا أن ما جاء في حديث ورد بكتاب "مصنف عبدالرازق" قال: "أخبرنا ابن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، أن عمر بن الخطاب، أتي بامرأة لقيها راع بفلاة من الأرض وهي عطشى، فاستسقته، فأبى أن يسقيها إلا أن تتركه فيقع بها، فناشدته بالله فأبى، فلما بلغت جهدها أمكنته، فدرأ عنها عمر الحد بالضرورة، ومعروف عن عمر بن الخطاب أنه يدرأ الحدود بالشبهات كما حدث وأسقط حد السرقة في عام الرمادة.
فيما يذهب آخرون إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب اسقط حد الزنا للمرأة التي زنت مقابل حفنات من التمر لوجود مبرر شرعي لها، حيث لم تستوف الشروط اللازمة ليكون هذا زنا صريح، حتى يقيم عليها حد السرقة.
اقرأ أيضا
صور.. "السيسي" يجري الكشف الطبي قبل التقدم بأوراق ترشحه في الانتخابات