يحيى الطاهر عبد الله.. الطوق والأسورة
اتولد قبل أمل دنقل بـ سنتين، واتوفى قبله ب سنتين، يحيى الطاهر عبد الله، الضلع التالت في مثلث بـ يجمعه مع أمل والأبنودي. المثلث اللي نزح من قبلي في الستينات بأحلام عريضة، ما اتحققش منها حاجة على المستوى الشخصي (ولا حتى الأبنودي) بس عملوا أكتر من المتوقع من حيث المجد الأدبي (بما فيهم الأبنودي).
يحيى كان من الأقصر، وسمع عن الأبنودي وأمل فـ أواخر الخمسينات، هم كانوا بدأوا يكتبوا ويتعرفوا في محيط جنوب الصعيد، فـ استقال من شغله وراح قنا عاش فـ البيت مع الأبنودي، فـ بقوا شلة مش بس مبدعين لكن كمان مثقفين من الطراز الرفيع، وقراء من الدرجة الأولى.
أواخر الخمسينات كان عنده يدوب عشرين سنة، بس هو كان اتعلم، وخد دبلوم الزراعة (ودي كانت حاجة كبيرة وقتها فـ مصر عموما، والصعيد خصوصا) واتوظف كمان، لكنه ساب كل ده وراح للأدب والثقافة.
1962، الأبنودي وأمل سابوا الصعيد، الأبنودي راح مصر، وأمل راح إسكندرية، وسابوا يحيى فـ قنا، بس هو حصلهم بعد كده بـ شوية، وسكن مع الأبنودي فـ بولاق الدكرور، وبدأ يتعرف كـ كاتب قصة قصيرة.
القصص اللي كان بـ يكتبها يحيى كانت في عالم خاص، "الحدوتة" فيها مش كل حاجة، ومكنش ليها علاقة بـ عالم السياسة، ومفيهاش مباشرة، يمكن علشان كده استدعاؤه مش زي أمل وعبد الرحمن، هو موجود أكتر وسط النخبة، والمهتمين بالأدب والثقافة، مش بالشأن العام والعمل الجماهيري.
يحيى كان موجود دايما على المقاهي الأدبية، خصوصا مقهى "ريش"، اللي كانت رمز لـ حاجات كتير إيجابية، وحاجات تانية سلبية، وكلنا عارفين إن نجم مثلا له شعر في هجاء ريش واللي بـ يقعدوا عليها، كمان نجيب سرور عمل كده في بروتوكولات حكماء مقهى ريش.
كان حضور يحيى ناتج من قصصه، اللي كان بـ يحفظها غيبا، ويقولها كأنها شعر، فـ كانت أشبه بـ فكرة الحكواتي، هو كمان كان مشغول بالسير الشعبية، وعنده خطط لاستلهامها في أعمال.
اللي قدم يحيى على نطاق أوسع كان يوسف إدريس، والجمل في جرنان المساء، وبعد شوية بقى يحيى واحد من أهم كتاب الحركة الثقافية في أواخر الستينات وطول فترة السبعينات، وكان صديق مقرب للدكاترة جابر عصفور (وزير الثقافة لحظة كتابة السطور دي) والعظيم عبد المحسن طه بدر، وعبد المنعم تليمة، واتجوز أخت الدكتور تليمة وخاف منها بنتين وولد، والولد اتوفى صغير، والبنتين معروف منه أسماء يحيى الطاهر، اللي انشغلت برضه بالفن والثقافة.
في أبريل 1981، في طريق الواحات، اتعرض يحيى لـ حادثة أليمة، واتوفى، وكان أول صدمة من المجموعة دي، ولما أمل كتب آخر قصايده "الجنوبي" كتب مقطع منها لأسماء، كان من أشهر وأجمل مقاطع الرثاء
ليت أسماء تعرف أن أباها صعد
لم يمت
هل يموت الذي كان "يحيا"
كأن الحياة أبد
وكأن الشراب نفد
وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد
عاش منتصبا
بينما ينحني القلب يبحث عما فقد
مش بس أمل اللي رثى يحيى، لكن دي كانت الأبرز.
بعد وفاة يحيى، قرر المخرج خيري بشارة إنه يعمل فيلم عن رواية لـ يحيى، وكان فيلم الطوق والأسورة، وشارك الأبنودي في كتابة السيناريو مع خيري، والفيلم بقى واحد من الكلاسيكيات بالنسبة للمثقفين، مع إنه، وكما هو متوقع، ما انتشرش على المستوى الجماهيري، لأن الفيلم كان، زي معظم شغل يحيى، مش مشغول بـ فكرة الأعلى مبيعا، والأكثر إيرادات والبيست سيلر.
ربنا يرحمك يا يحيى ويرحم الجميع.