Black Mass - قداس العودة لـ جوني ديب؟
عالم العصابات والجريمة المنظمة شَكل نقطة جذب للسينما منذ بداياتها. ولا عجب من ذلك مع كل ما يسمح من عنف وإثارة ومطاردات وأجواء مطلوبة سينمائيا.
جيمس بولجر الأيرلندي الأصل، أحد أشهر رموز هذا العالم الحقيقية في تاريخ أمريكا، بفضل سيطرته على عالم الجريمة في مدينة بوسطن من منتصف السبعينات حتى منتصف التسعينات، وتصنيفه بعد الألفية كرقم (2) في قائمة المجرمين المطلوبين للعدالة، بعد أسامة بن لادن مباشرة.
قبل أن تقرر هوليوود أخيرا تقديم فيلم كبير عن قصته، ترك الرجل بصمته عليها في عشرات الأفلام المهمة السابقة. يكفي مثلا أن تعلم أن شخصية رجل العصابات التي قدمها جاك نيكلسون في فيلم سكورسيزي الشهير The Departed 2006 الذي اكتسح الأوسكار، تم ابتكارها بناء على بولجر كنموذج.
أهميته كمجرم وحضوره المرعب ذو الطابع السينمائي، طبقا للتسجيلات واعترافات المقربين منه، كانت سببا في اختيار هوليوود لنجم في وزن جوني ديب للقيام بدوره في فيلم Black Mass أو القداس الأسود. العمل المقتبس من كتاب بنفس الاسم صدر عام 2000.
يستعرض الفيلم بدايات نفوذه منتصف السبعينات، بفضل صفقة مع صديق طفولته جون كونيللي (جول إجيرتون) رجل المباحث الفيدرالية. الصفقة التي تمنح بولجر حصانة من الملاحقة الأمنية والقضائية، نظير تعاونه كمخبر سري مع المباحث وإمدادهم بالمعلومات اللازمة لإسقاط العصابات المنافسة الأخرى.
كعادة الصفقات من هذا النوع لن تسير الأمور على ما يرام. وكعادة هذا النوع من الأفلام ستلمح أثرا لكل أعمال المخرج سكورسيزي الشهيرة، التي دارت في نفس العالم.
اقرأ أيضا: دي كابريو سفاح في اللقاء السادس مع سكورسيزي
على عكس شخصيات الفيلم وأجوائه التي تستلزم جُرأة وتهور، يبتعد السيناريو تماما عن أي مغامرات أو لمسات استثنائية. كل شىء يسير في قالب روتيني الطابع. وهى نقطة جعلت الفيلم في النهاية رغم كل مزاياه، بدون بصمة تُذكر.
دور جوني ديب نقطة تمركز الفيلم. رغم هذا ينجح جول إجيرتون في خطف الأضواء في مشاهد عديدة بأداء ممتاز وبسيط وغير استعراضي. وهو ما فشل فيه بغرابة بينيديكت كامبرباتش، بأدائه الباهت نسبيا لدور بيلي بولجر (السيناتور الأمريكي أخو البطل). وإن كانت مساحة الشخصية ككل من الأصل لم تلق الاهتمام الكافي في السيناريو.
ولنفس السبب لم يستفد الفيلم كثيرا أيضا من وجود ممثلين مهمين آخرين مثل (كيفين بيكون - داكوتا جونسون) في أدوار مساعدة. الأخيرة بالمناسبة تقدم أداء تمثيلي جيد آخر، رغم حملات الهجوم والتشكيك المستمرة النابعة بالأساس من عدم رضا البعض عن الأجواء الجنسية، في الفيلم الذي جعلها نجمة أوائل العام Fifty Shades of Grey.
اقرأ أيضا: Fifty Shades of Grey رومانسية بتوابل جنسية وجنس بتوابل رومانسية
مخرج الفيلم سكوت كوبر يقدم هنا عمله الثالث بعد Crazy Heart 2009 - Out of the Furnace 2013. ورغم كل العيوب يمثل الفيلم نقلة للأمام في مشواره. الفيلم لا يعكس فقط أغلب الوقت أحداث تعود للسبعينات والثمانينات، لكن يبدو أيضا تقنيا وبصريا كعمل تم تنفيذه خلال نفس الحقبة.
لتحقيق ذلك ابتعد عن الديجيتال، واختار التصوير بكاميرات السيلوليت الـ 35 ملم على الطريقة القديمة. أغلب المشاهد كلاسيكية من حيث زوايا التصوير، وتم تنفيذها بكاميرا ثابتة. العنصر الوحيد المخالف للسياق الزمني نسبيا، كان موسيقى توم هولكنبرج أو Junkie XL باسمه الفني، التي يعيبها أيضا الطابع الاستعراضي.
رمانة الميزان تكمن في جوني ديب الذي وجد ضالته في الدور. معادلة (شخصية غريبة شكلا وسلوكا) التي يشترطها جمهوره منه، تتحقق هنا في أفضل حالاتها. وفي إطار واقعي غير فنتازي على غرار أفلام المغامرات التي يقدمها مؤخرا بانتظام.
أداؤه يمنح للشخصية حضورا ورهبة، تفوق براعة الماكياج الذي منحها نفس الصفات بفضل لون عدسات العين وتكوين الأسنان. الدور أفضل ما قدم منذ Sweeney Todd: The Demon Barber of Fleet Street 2007 رغم أن الفيلم ككل لن يصمد في الذاكرة كعمل عظيم في تاريخه.
من المؤسف فعلا أن أداءً بهذا القدر من التميز والحضور، لم يتواجد في فيلم عظيم، بل وتم ابتذاله أحيانا في مشاهد أضعفت الفيلم والشخصية ككل، بسبب ضعفها على صعيد الكتابة والإخراج. في واحد منها مثلا يقوم بتهديد امرأة مرعوبة بطريقة استعراضية مسرحية بطيئة.
بعض مشاهده الأخرى رغم إتقانها، تذكرنا بكلاسيكيات أفضل ضمن النوعية، وهى نقطة لم تخدم الفيلم. في واحد منها، مثلا يقتبس المخرج إيقاع مشابه لمشهد (لماذا أضحكك اشرح لي funny how)، الذي قدمه جو بيتشي في فيلم سكورسيزي الشهير Goodfellas 1990.
على كل جدل كبير يدور مؤخرا بخصوص تأثير النجومية على جوني ديب في السنوات الأخيرة، وهى نقطة ناقشناها تفصيليا سابقا في هل قتل جوني ديب (النجم) جوني ديب (الممثل)؟ ولا أود الرجوع إليها. لكن أتعجب فعلا من إصرار عشرات النقاد عالميا، على استخدام لفظ (عودة) لمدح دوره هنا!
عودة من ماذا تحديدا؟!.. جوني ديب ممثل آخر أخطأ لفترة ما في بعض اختياراته، ونجم مال للسلاسل والأفلام الضخمة تجاريا، وهو ما لا يمكن اعتباره جريمة بأي حال. جريمته الحقيقية الوحيدة أنه خلق لنفسه معادلة صعبة، جعلت سقف المنتظر منه بين الجمهور والنقاد، أعلى من المعتاد مقارنة بغيره.
الرجل لم يعد لأنه لم يغب من الأصل. غالبا يستعد معظم هؤلاء المصممين على لفظ (عودة)، لمهاجمة أفلامه القادمة في سلاسل (قراصنة الكاريبي - آليس في بلاد العجائب) باعتباره النجم الشرير المتوسط الذكاء الذي ينوي العودة للأفلام التي يعشقها الجمهور، وتحقق له ربحا أعلى!
باختصار:
عمل غير مميز وسط أفلام العصابات والجريمة، عن أحد أهم مجرمي أمريكا، بأداء مميز جدا من جوني ديب.
اقرأ أيضا:
جوني ديب يدق ناقوس الخطر للموزعين في مصر
أهم 10 أفلام أمريكية في أكتوبر