التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 12:37 م , بتوقيت القاهرة

صور| الحنطور.. وسيلة نقل البشاوات تصارع من أجل البقاء

الغربية – محمد سعيد:


"جوز الخيل والعربية .. سوق يا أسطى لحد الفجرية" مقطع من أغنية تراثية جسدت دور وسيلة نقل الزمن الجميل التي تحاول الصمود أمام تحديات العصر وانتشار أحدث ماركات السيارات، ومؤخرًا ظاهرة مركبة "التوكتوك".. حيث بات "الحنطور" ملمحًا من زمن "الطربوش" وعصر "البكوات"، الزمن الذي يستحيل أن يعود بنفس البهجة.


ويهدد التطور الصناعي العديد من المهن اليدوية في مصر؛ ومنها صناعة "الحنطور" التي كان لها صيت في جميع أنحاء العالم، نظرًا لما كانت تتمتع به من فن وذوق لا مثيل له، وتحول أصحاب تلك المهن من سوبر ستار إلى بسطاء يعيشون في الظل.


ومهنة صناعة "الحنطور" إحدى المهن التي غدر بها الزمن، وأصبحت  في طريقها إلى التخليد في المتاحف بعد أن كان الباشاوات وكبار الأغنياء يقصدون أصحابها، ليتباهوا بما تصنعه أيديهم التي تغلفها الحرير بما تنتجه من فن وذوق رفيع تفوق على الذوق الأوروبي.


الحنطور في الغربية


"الحنطور" ينافس من أجل البقاء


وأصبح "الحنطور" مهددا بالانقراض بعد أن أصبح مهنة لا تناسب إيقاع العصر، الذي يلهث في عصر التاكسي و "التوكتوك" ولم يعد غالبية العشاق يتهافتون عليه، بعد أن بات الجميع يبحث عن سيارة أحدث موديل للتنزه، وبمرور الوقت لن يتعرف عليه الأجيال المقبلة إلا من خلال الأغاني التراثية.


الحنطور في الغربية


عاصمة الحناطير


عاصمة "الحناطير" هكذا أطلق هذا الاسم على مدينة طنطا بمحافظة الغربية؛ حيث كان بها أشهر ورش صناعة "الحناطير" يقصدها علية القوم من كل حدب وصوب، لم يتبق منها سوى 3 ورش يواصل أصحابها عملهم في تحد الزمن وتقدم أدواته.


الحنطور في الغربية


ورشة "صلاح عاشور" بمنطقة تل الحدادين التابعة لحي ثان طنطا، تعد أشهر تلك الورش، حيث يؤكد أنه ورث تلك المهنة عن والده وجده، اللذان كانا يعملان في ورش "الخواجات"، لافتًا إلى أنهما شربا الصنعة واستقلا بعد ذلك في ورش يمتلكونها، وعمل معهم أعمامه، وتعلم منهم حيث يشاركه في العمل أشقائه وأبنائه، موضحًا أن المهنة تواجه تحديات تطور العصر، خاصة بعد ظهور مركبة "التوكتوك" الذي كان بمثابة اغتيال لأصحاب الحناطير؛ الذين اضطر غالبيتهم إلى شراء توكتوك بعد أن سحب بساط النقل الداخلي من تحت أقدامهم.


 مهنة شاقة كلها تعب وجهد هكذا يؤكد "عاشور" فهو يشتري أنواع محددة من الخشب هي: "الزان والشجر والسنط" وذلك من المكامير والشوادر.


الحنطور في الغربية


 


"الحنطور الأورجينال"


"عاشور" مقتنع أن "الحنطور" الأصلي هو المصنوع من الجلد الأسود والفانوسين، وكمالياته عبارة عن الأجراس الخاصة به، التي تستخدم كآلة تنبيه، لافتًا إلى أن  الخواجات صنعوه على هذا الشكل، موضحًا أنه المصريين أدخلوا عليه بعض التعديلات، التي وصفها بأنهم "فسحوا الحنطور، وزوقوه"، وذلك بإضافة ألوان أخرى مثل الأحمر والأخضر، حسب طلب الزبون.


الحنطور في الغربية


مراحل صناعة "الحنطور"


يقول "عاشور" إن صناعة "الحنطور" تمر بثلاث مراحل: الأولي تتم في ورشته وهي عبارة عن صناعة الجسم الخشبي الذي يتخذ شكلين، أما شكل الأنواع المتعارف عليها كالحنطور العادي أو الملكي، أو أن يأتي إليه صورة لحنطور أوروبي، ويتولى مهمة تصميمه حسب المواصفات بالصورة.


وأوضح أنه بعد الانتهاء من الجسم الخشبي تبدأ صناعة الحديد الذي يتم تركيبه في الجسم قبل تركيب العجلة الخشبية بعدها ينتقل الحنطور للورشة الثانية وهي ورشة السروجي المختص بتنجيد المقاعد الخاصة به.


وتأتي المرحلة الأخيرة المتمثلة في الدهان، وتتم داخل ورش بمدينتي المحلة والمنصورة فقط، إضافة إلى دور السمكري الذي يقوم بعمل الفوانيس ليخرج "الحنطور" في شكله النهائي، مؤكدًا أن صناعة "الحنطور" أساسها البلاد الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا، وأنها في الأصل حرفة أوروبية، حيث تعلم الأجداد هذه الصناعة وكان الحنطور وسيلة المواصلات الأساسية في مصر.


الحنطور في الغربية


مشاهير زاروا عاصمة الحناطير


ويضيف "عاشور" أن أشهر ما صنعت ورشته من "الحناطير" كانت من نصيب الشيخ  محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، والعديد من الباشوات قبل ثورة يوليو 52، إضافة إلى عدد من "الحناطير" و "الكرتات"- "حنطور صغير- لمنتجي بعض الأفلام والمسلسلات التاريخية،  أشهرها مسلسل "حديث الصباح والمساء"، وآخر الفنانين الذين تعامل معهم الفنان "أحمد السقا" حيث صنع له "كرتتين"، مؤكدًا أنه مغرم بركوب الخيل وحب التراث الذي يفوح بالعظمة.


وتابع: أنه أحب المهنة لأن أي لمسة في صناعة الحنطور كلها فن وذوق، حيث صنع والده "كرتة" للرئيس الراحل محمد أنو السادات، إضافة إلى أنه صنع وأشقاؤه– أيضًا- حنطور بـ 4 عجلات لشقيقه "طلعت" قبل وفاته بأشهر قليلة، ولا يزال موجودًا حتى الآن بقرية ميت أبو الكوم.


الحنطور في الغربية


الأمل في عودة السياحة


وتابع عاشور قائلا: كان يوجد 3 ورش فقط بطنطا لم يتبق منها سوى ورشته بسبب توقف السياحة بعد ثورة يناير، الأمر الذي أدى إلى وقف الحال، حيث كان هناك العديد من الورش التي يعمل بها العديد من العمال لإنتاج "الحنطور" في شكله النهائي، منها ورش الدهانات وصانعي "الكرباج" وبائعي الاكسسوارات ولوازم الحنطور، ومهن أخرى انقطعت أرزاق أصحابها، ولم يعد لهم مصدر رزق؛ آملًا في عودة الأمور إلى ما كانت عليه بتوافد السياح من جديد، لافتًا إلى أن معظم إنتاج ورشته كان للمناطق السياحية حيث يقبل السياح على ركوب الحنطور.


الحنطور في الغربية