هل تذوق إيران نيران كرة اللهب الطائفية التي تصدرها للعراق وسوريا؟
تسبح إيران في بحر من الأقليات الذي ربما يغرقها بمطالب أو تمرد يدفع بولاية الفقيه إلى صراع غير متوقع، الأمر الذي ربما يكون ممرًا لتأجيج الصراع الداخلي مستندًا على واقع جغرافي لا تستطيع إيران محوه، والذي قد يكون قماشة جيدة لامتصاص التصريحات التي أطلقتها القمة الإسلامية الأمريكية القاضية بوقف التدخل الإيراني في منطقة العالم العربي، والكف عن تأجيج الصراعات المذهبية التي كانت بادرة في نشر الإرهاب في أكبر منبعين لهما وهما سوريا والعراق.
ولكن يبقى السؤال الأبرز، هل تلتقي تلك التصريحات التي أطلقها الرؤساء العرب مع جماعات المعارضة الإيرانية، لالتقاط كرة لهب الفتنة الطائفية التي لعبت إيران على إشعالها سنوات طويلة خارج حدودها لإعادة تدويرها وتوجيها لداخل العمق الإيراني؟
عدد من الخبراء أكدوا أن كرة اللهب قد تنتقل إلى إيران مع تصاعد موجات الغضب من دولة الفقيه، في الوقت الذي قلل آخرون من هذا السيناريو لوجود الحرس الثوري الذي يمنع كل محاولات المعارضة للنهوض، وهو يضربها برصاص كاتم للصوت لإخراس المطالب الديمقراطية وسط تنامي الإعدامات الجماعية التي قادها في السابق ضد المعارضة، والتي يقودها حاليا ضد أنصاره.
"أهل السنة" .. القشة التي تقسم ظهر إيران
يتواجد في الداخل الإيراني حركة التحرر الوطني للمقاومة الشعبية العربية والمعروفين إعلاميا بـ" الأحواز"، والتي ترفض الاحتلال الإيراني لإقليم "الأحواز"، نسبة إلى الأقليم الذي يقطن فيه أهل السنة من القبائل العربية، قبل سيطرة إيران على هذا الإقليم واحتلاله واستنزاف ثرواته، للقضاء على القوة المعارضة التي تشكل صداعًا كبيرًا في رأس دولة الملالي، ومؤخرًا أعلنت حركة النضال العربي التابعة للأحواز مقتل اثنين من أفراد الأمن الإيراني بشرق إيران، ليرد عليه النظام باستهداف عناصر من الأحواز، فهل تستطيع حركة النضال العربي حسم المواجهة لتحويلها إلى خصم قوي داخل إيران لحرقها بنار المذهبية التي استغلتها لنشر توسع الهلال الشيعي؟
محمد حطاب الأحوازي، أكد في تصريحات خاصة لـ "دوت مصر" أن هذا قد يتحقق لو توحدت الدول العربية مع مطالب الأحواز، مشيرًا أن ذلك يدفع بشكل قوي لتحرك الشعوب الرازحة تحت نيران الاحتلال الإيراني، في ظل إصرار القمة العربية الإسلامية على مواجهة التمدد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية.
وأضاف الأحوازي، أن حركات التحرر في جغرافية الشعوب غير الفارسية تملك المقومات المطلوبة لمواجهة الدولة الإيرانية في حال توفر لها الدعم السياسي والعسكري، وهذا ما أثبتته العمليات الأخيرة ضد المراكز الأمنية والعسكرية في بلوشستان والأحواز، والخسائر الكبيرة التي نتجت عنها، ودعى حطاب، الشعوب العربية لمواجهة التغول الإيراني الذي يسفك دماء العرب بشكل يومي، ودعم القوى المناهضة للدور الإيراني في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وكذلك توفير الغطاء السياسي الرسمي والقانوني لحركات التحرر الوطني في إيران.
جيش العدل والمواجهة المسلحة
يعتبر جيش العدل من الجماعات القوية المعارضة في إيران، وهي معارضة مسلحة تنشط في كل من محافظتي سيستان وبلوشستان، ويهدف جيش العدل لاستعادة حقوق البلوش وأهل السنة، وتعتبر طهران جيش العدل جماعة إرهابية.
وبرزت تلك الجماعة المعارضة عام 2012 بعد إعدام السلطات الإيرانية لزعيم حركة "جند الله" البلوشية عبد المالك ريغي في يونيو 2010، ورغم قيادة جيش العدل للهجوم داخل العمق الإيراني، إلا أن أحمد عطا، الخبير في الحركات الإسلامية، أكد في تصريحات خاصة لـ"دوت مصر"، أن الصراع المذهبي لا يمكن أن يقود للحرب الداخلية في إيران لأسباب كثيرة، في مقدمتها قوة الحرس الثوري الإيراني الذي يحكم قبضته على البلاد، وهو يدير الشأن الداخلي منذ تولي آية الله خامنئي الحكم منذ سبعينيات القرن الماضي ، مما جعل كافة المؤسسات الإيرانية تدار بمعرفة الحرس الثوري الإيراني الذي هو بمثابة جهاز استخباراتي.
وتابع عطا، أن حجم التيار السني داخل إيران يمثل 25? من عدد سكانها، وهم لا يصنفون من الصفوة داخل المجتمع الإيراني، وثالثًا أن التيار الإصلاحي داخل إيران بعيد تمامًا عن الارتباط بأي من المذهبين داخل إيران فهو أقرب إلى الفكر الليبرالي عن إمكانية تحرك موحد للمعارضة الإيرانية، لتمارس ضغوط دولية، وهو ما يجعل التأثير صعبًا لقيادة كرة اللهب للفتنة الطائفية لإلقائها في الداخل، نظرًا لعمليات التصفية الجسدية التي مارسها ونفذها الحرس الثوري الإيراني لبعض المعارضة الإيراني داخل لندن في تسعينات القرن الماضي، بالإضافة لغياب الدعم المالي الضخم الذي تتمكن به المعارضة في الخارج من فرض وتنفيذ ضغوط مختلفة لتشكيل تهديدًا على الرئيس الإيراني الذي تم انتخابه بدعم كبير من أصوات الإصلاحي.
مسرحية الانتخابات وتصاعد الاحتجاجات
التشهير الإعلامي سلاح قوي يستخدمه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية -مجاهدي خلق- لإرباك النظام الإيراني، في الخارج، وتحديدًا في لندن التي يتخذها معارضو مجاهدي خلق لفضح النظام الإيراني، وكشف إجراءات البطش الإيراني بالمعارضة الداخلية والديكتاتورية التي تمارسها بحق الديمقراطية.
وساهم ذلك في الدفع بـ29 نائبًا في البرلمان الأوروبي بتوجيه رسالة إلى مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي، فدريکا موغريني، طالبوها فيها بالضغط على نظام الملالي للالتزام بوقف انتهاكات حقوق الإنسان، والإفراج عن السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي وإنهاء اضطهاد الأقليات، قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية التي فاز بها "روحاني".
وفي السياق ذاته، قال هشام عبدالفتاح، الخبير في الشأن الإيراني، في تصريحات خاصة لـ"دوت مصر": إن اللعب على الصراع المذهبي داخل إيران ورقة سياسية صعبة المنال في الوقت الحالي، مؤكدًا أنه من الصعب الآن أن يتم حرق إيران بكرة اللهب التي توجهها للمنطقة لتأجيج الصراعات المذهبية بالداخل، لأن حركات المعارضة لإيران في الخارج تحتاج إلى التوحد لإحداث تأثيرًا على المستوى الدولي ضدها، وهذا لا يتحقق في الوقت الحالي لتشتت تلك الحركات التي تحتاج للمضي قدمًا جنبًا إلى جنب على جسر مواجهة دولة "الملالي".