أنساك يا سلام؟!.. أربعة ملحنين وأغنية واحدة
كل اغنية من أغاني ام كلثوم تعد قصة في حد ذاتها، فرغم ان هناك العديد من الأغاني لم يكن لها أي احداث مختلفة اثناء صنعها، إلا ان بعضها حدثت وثائق قصته بعد ان غنت الست الأغنية، مثل أغنية "بعيد عنك"، وهناك قصص اكتشفت بعد نصف قرن مثل قصة اغنية أنساك التي غنتها ام كلثوم عام 1962 من كلمات مأمون الشناوي وألحان بليغ حمدي، والقصة كلها تكمن في كلمة "ألحان".
في عام 2001 قدمت السيدة "تحية زكريا" ابنة شيخ الملحنين زكريا أحمد صورة من تعاقد والدها مع السيدة ام كلثوم لتلحين أغنية أنساك للشاعر مأمون الشناوي، وقالت ان والدها لحن أغلب الأغنية ولكنه توفي قبل الانتهاء منها تماما، وأضافت السيدة "تحية" أن والدها تقاضي كامل أجره عن تلحين الأغنية، لتعطي ام كلثوم الاغنية لبليغ حمدي لينتهي من تحلينها وتضع اسم بليغ حمدي وحده على الاغنية، مؤكدة ان صاحب الحق في لحن الاغنية هو والدها الشيخ زكريا احمد.
ولتفتح تلك القصة ملفا كبيرا حول الأغنية التي "تناوب" عليها أربعة ملحنين ونعرفها إلى الأن على انها ألحان بليغ حمدي، عام 1961 وتحديدا في يوم 14 فبراير يرحل شيخ الملحنين زكريا أحمد عن دنيانا، وكان من الممكن ان ترحل معه اغنية انساك لولا اهتمام ام كلثوم بتلك الأغنية وإعجابها الكبير بها.
أقترح مأمون الشناوي على ام كلثوم أن يقوم تلميذ الشيخ زكريا احمد الموسيقار الشاب وقتها "سيد مكاوي" بتلحين الأغنية من البداية، وبالفعل أسندت أم كلثوم مهمة تلحين الأغنية إلى سيد مكاوي ولكن ام كلثوم أم يعجبها اللحن الذي قدمه الشيخ سيد، لنعود لنقطه الصفر، أم كلثوم معها كلمات ولحن غير مكتمل وتبحث عن ملحن.
كان هناك محاولات لكي يلحن محمد فوزي لام كلثوم لعل أبرزها أغنية حب إيه، ولكن كل الظروف حالت دون تحقيق هذا اللقاء، ولكن في ظل أزمة البحث عن ملحن لأغنية أنساك، أرسلت أم كلثوم كلمات الاغنية لمحمد فوزي، مع تشديد على رغبة ام كلثوم في الغناء من ألحان فوزي.
بدأ فوزي في تلحين الأغنية من الصفر أيضا، ولكن اثناء تلحين الغنوة اصابته وعكة صحية خفيفة، وكان بليغ حمدي دائم التردد على منزل فوزي، وفي أحد الأيام كان بليغ في ضيافة محمد فوزي، وجاء لفوزي بعض الضيوف للاطمئنان على سلامته فترك بليغ في المكتب مع العود وكانت كلمات اغنية أنساك مكتوبه على ورقة بالجوار، لتقع عين بليغ على الكلمات ويمسك العود ويخرج بعد الجمل اللحنية للكلمات.
جملة جرت الجملة الأخرى حتى عاد فوزي بعد ساعة فوجد بليغ حمدي قد انتهي من تلحين الأغنية تماما، اعتذر بليغ لأستاذه انه تجرأ ولحن الأغنية، ولكن فوزي طلب منه ان يسمعه اللحن من البداية، فأمسك بليغ بالعود وعزف اللحن كاملا أمام محمد فوزي، ليقوم فوزي ويحتضن بليغ حمدي وهو يقول له " اللحن بتاعك أحسن من الفكرة اللي جت في دماغي اللحن ده لازم تسمعه الست".
اتصل محمد فوزي بأم كلثوم وطلب منها أن تحدد موعدا للقائه ليسمعها لحن أغنية انساك، واستأذن أن يكون معه في المقابلة بليغ حمدي، وفي اليوم الموعود ذهب محمد فوزي وبليغ لفيلا الست في الزمالك، وقام بليغ واسمع الست اللحن كاملا، واتفقت الست مع محمد فوزي على انها ستقوم بغناء هذا اللحن، وهي تعتقد انها أخيرا ستغني من ألحان محمد فوزي، ليفاجئها فوزي قائلا " اللحن ده بتاع بليغ مش أنا اللي ملحنه".
ولتستقر الاغنية أخيرا على اسم بليغ حمدي وتصبح هي الأغنية الثانية التي يلحنها بليغ حمدي بدلا من محمد فوزي، بعد اغنية "حب أيه"، تلك الاغنية التي لم تكن مكتوبة في الأساس لأم كلثوم، وذهبت إليها بالصدفة وكانت سبب في التعارف بين بليغ حمدي وأم كلثوم، ولكن هذه قصة أخرى.