كيف هزمت الكلمات المتقاطعة أكبر قوة في العالم؟
جريدة "نيويورك ورلد"، صباح يوم 21 ديسمبر عام 1913، المرة الأولى التي يرى فيها العالم ذلك المربع المليء بالخانات الخاوية والتي تتطلب حلها بكلمات تتقاطع مع أخرى دون خطأ، لعبة جديدة للترفيه عن الجمهور، ولكنها أيضا كانت السبب في تغيير مسار الحرب العالمية الثانية.
عام 1913 فوجئ الصحفي البريطاني الأصل "أرثر وين" بطلب اختراع لعبة ولغز جديد لتسلية قراء مجلة "نيويورك ورلد" الأمريكية، فظل يفكر في لغز جديد يقدمه للجمهور، "وين" كان من المتخصصين في صناعة الاحاجي والألغاز، وهذا كان سبب انتقاله من بريطانيا للعمل في "نيويورك ورلد"، تذكر وين تلك اللعبة التي كان يلعبها وهو صغير عن طريق الحروف ليطورها وتخرج للعالم أول نسخة من لعبة الكلمات المتقاطعة.
بريطانيا مرة أخرى، ولكن هذه المرة اثناء الحرب العالمية الثانية، النازي يلتهم أوروبا، وعلى الرغم من نجاح البولنديين في فك شفرة "انيجما" الأولى مع بداية الحرب، إلا أن الحلفاء وجدوا نفسهم أمام شفرة يستحيل كسرها، بعدما طور الألمان شفرتهم وجهاز تشفيرهم الشهير "انيجما"، لتقرر المخابرات البريطانية الاستعانة بأهم علماء الرياضيات في الإمبراطورية العجوز وكان من بينهم "ألان تورنج".
"تورنج" الذي يعد هو الأب الروحي لجهاز الحاسب الآلي، تيقن ان طريقة "البومبا" البولندية في فك شفرة "انيجما" غير ناجحة حاليا، كما تأكد أن أي محاولة بشرية لفك تلك الشفرة ستبوء بالفشل، فانعزل عن العالم وبدأ في صناعة أول جهاز قائم على الذكاء الاصطناعي، والحسابات والتحاليل الرياضية، باختصار قام "تورنج" ببناء أول وحدة معالجة بيانات في التاريخ، فقط لحل احتمالات شفرة أنيجما".
ولكن أين دور الكلمات المتقاطعة في الأمر؟، لأسباب مختلفة، كان "تورنج" يتعرض لحرب من زملاءه في الفريق، ومن رؤساءه في المخابرات، الجميع لا يعرف جدوى هذا الجهاز الذي يصنعه، الجهاز لم يعطي أي نتائج على الإطلاق، ولكنه استطاع اقناع أحد قيادات المخابرات الذي دعمه وجعله رئيسا للفريق، وأصبح الفريق ينقصه فردا أخر، فكيف "لتورنج
" أن يحل هذه الأزمة؟
"تورنج" افترض أن الشخص الذي سيقع عليه الاختيار أن يكون ضليع في الاحتمالات وحل الألغاز والأحاجي، وأن يمتلك حصيلة لغوية جيدة، لذلك قامت المخابرات بنشر مسابقة للكلمات المتقاطعة في إحدى الجرائد واسعة الانتشار في بريطانيا، وطلبت الجريدة من كل شخص يستطيع حل اللغز أن يتقدم بنسخته، من الجريدة لمقرها.
حل اللغز العديد من البريطانيين وتقدم العديد منهم للمجلة، ليجدوا نفسهم أمام اختبار جديد في الكلمات المتقاطعة، ومطلوب حله فيما لا يقل عن ساعة، اختبار وضعه "تورنج" بنفسه، وقال انه استطاع حل هذا اللغز في 55 دقيقة تقريبا ولكن واحد من المتسابقين حله في وقت أقل من ذلك، "تورنج" كسب عضوا جديدا في فريقه.
أيام قليلة وربما أسابيع وتوصل الفريق بعضوه الجديد الذي جاء عن طريق الكلمات المتقاطعة لمفتاح حل شفرة "انيجما"، ليتعرف الحلفاء أخيرا على خطط وتحركات الجيش النازي في مختلف الاتجاهات، ولتهزم الكلمات المتقاطعة أقوى شفرة حربية عرفتها الحرب العالمية الثانية، وتقتطع من مدة الحرب العالمية عامين كان ممكن أن يظل العالم مشتعلا فيهم لولا اختراع "تورنج" واختبار الكلمات المتقاطعة.