التوقيت الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024
التوقيت 03:15 ص , بتوقيت القاهرة

بروفايل| معمر القذافي.. الشخصية الزئبقية (فيديو)

كتب- معتمد عبد الغني:

شخصية مركبة ترتدي ملابس فلكلورية غير مألوفة، يحاوطه حارسات حسناوات، وممرضات أوكرانيات، وخيمة ترافقه في رحلاته الخارجية، تأثر بالتجربة الناصرية وشتان بين النهايتين، قابل الثورة عليه بالثورة، وقضى أيامه الأخيرة في سرداب قبل أن يأسره الثوار ويقتلوه، مر أكثر من ثلاث سنوات على مقتله، ولا تزال بلاده - جراء حكمه الذي استمر لأكثر من أربعين عامًا- ساحة حرب، للاستدلال عليه يصاغ السؤال عن حاكم عربي غريب الأطوار، والإجابة تأتي دائمًا.. "معمر القذافي".

انفعل "القذافي" بزعامة "جمال عبد الناصر"، تشرب مبادئه وقرر أن يكون حركة ثورية مع أقرانه في مقتبل العمر، ما تسبب في طرده من المدرسة، ثم عاود إكمال تعليمه في الأكاديمية العسكرية في بنغازي، وفي عام 1964 شكل حركة الضباط الوحدويين، التي وصفها "هيكل" بعد لقائه بهم فيما بعد: "شباب بريء إلى درجة محرجة، وشباب رومانسي إلى درجة خطرة"، بعد خمس سنوات نجحت الحركة في القضاء على الحكم السنوسي في ليبيا، وتسلم "القذافي" الحكم وهو في السابعة والعشرين.

 

 

 

 

 

 

 

تأثر "القذافي" بـ"ناصر" لدرجة جعلته يطلق اسمه على شهر يوليو/تموز، وطبق النظام الاشتراكي في بداية حكمه لمدة ثماني سنوات، وسعى للوحدة مع مصر، سائرًا على درب مشروع القومية العربية، ومن جانبه أبدى "عبد الناصر" إعجابه بحماس الشاب الليبي الذي أعلن عداءه للغرب وإسرائيل، وفي خطبته الأخيرة يونيو/ حزيران 1970 قال ناصر: "إنني سأترككم غداً وأنا أشعر بقوة جديدة ودم جديد، وأنا أشعر أن أخي "معمر القذافي" هو الأمين على القومية العربية وعلى الثورة العربية وعلى الوحدة العربية".

بعد وفاة "ناصر" ابتعد "القذافي" عن درب القومية العربية، واتجه صوب أفريقيا، ودعم حركات متمردة ومناهضة للعنصرية في ليبيريا وسيراليون، ومول الحملة الانتخابية لزعيم جنوب أفريقيا الراحل "نسليون مانديلا" عام 1994، وقد كان لـ"مانديلا" دور كبير في إنهاء العداء بين الغرب و"القذافي"، وتم التوصل إلى تسوية لقضية "لوكربي" التي بموجبها اتهمت أمريكا وبريطانيا الجماهيرية الليبية بالتخطيط لسقوط طائرة ركاب أمريكية فوق بلدة "لوكربي" في اسكتلندا عام 1988.

 

 

 

 

 

 

 

أصدر "القذافي" مؤلفه الأشهر"الكتاب الأخضر" عام 1975، واضعًا نظامًا سياسيًا يمزج بين الأنظمة القديمة والحديثة، وعرض ما أسماه "النظرية العالمية الثالثة" كبديل عن الرأسمالية والماركسية، ونص "الكتاب الأخضر" على أن الشعب يحكم بنفسه عن طريق مؤتمرات شعبية، لكن الواقع أن "القذافي" كرس لنفسه كل الصلاحيات والنفوذ، واستقال في بداية الثمانينات من منصب رئيس "ليبيا"، ونصب نفسه المرشد الأول للثورة والفاتح العظيم في "الجماهيرية الشعبية الاشتراكية العربية الليبية".



اهتمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) منذ أربعينيات القرن الماضي على عمل "بروفايلات نفسية" لأغلب الزعماء الأجانب؛ لمعرفة الطبيعة النفسية للقادة الأجانب الذين يتم التعامل معهم، وفي الثمانينات سربت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» معلومات عن «البروفايل النفسي» لشخصية "القذافي"؛ ووصف بأنه «شخصية مضطربة - بشكل استثنائي - وتعاني عقدة نقص خطيرة»، ووصفته برقية صادرة من سفير الولايات المتحدة في طرابلس "جين كريتز" في عام 2009 بأنه "شخصية زئبقية وغريب الأطوار، يحب رقص الفلامنكو الإسباني وسباق الخيل، يعمل ما بدا له ويزعج الأصدقاء والأعداء على حد سواء".

وجاءت ملابسه الغريبة لتعبر عن توجهاته السياسية، حيث ارتبطت الصورة الذهنية في بدايات "القذافي" باللباس العسكري، وعندما توجه إلى أفريقيا ارتدى ملابس متقاربة مع الأفارقة لكنها لاقت استغرابًا عند العرب والغرب، والأكثر غرابة اشتراط "القذافي" أن تكون حارساته الحسناوات وممرضاته الأوكرانيات، عذراوات طيلة وجودهن في خدمته، مهما طالت تلك المدة، وأطلق على حارساته "الراهبات الثوريات" واسماهن كلهن "عائشة" تيمنًا باسم ابنته، كما يعد "القذافي" أكثر حاكم يحصد الألقاب في تاريخه بحثًا عن الزعامة، ونصب نفسه عميد الحكام العرب، وملك ملوك أفريقيا، وإمام المسلمين، حتى اختيارات أسماء أبنائه "سيف الإسلام" و"سيف العرب"، دلت على هوسه بزعامة العالم العربي والإسلامي.

وتعد دعوة "القذافي" لدولة "إسراطين" من أغرب أطروحاته، في مطلع القرن الواحد والعشرين، ألف كتابًا اسمه "الكتاب الأبيض" واقترح فيه قيام دولة تجمع بين إسرائيل وفلسطين، وكتب مقالًا في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قال فيه إن "الحرب على غزة ستنتج المزيد من العنف حتى يقتنع الإسرائيليون والفلسطينيون بقيام دولة موحدة يطلق عليها اسم إسراطين يعيشون فيها بسلام".

وبدون مبرر ناصب "القذافي" السعودية العداء؛ حيث صادرت إحدى كتائب طرابلس العسكرية وثائق تؤكد أن "القذافي" أنفق ملايين الدولارات لتجنيد مرتزقة من الصومال واليمن؛ لتنفيذ أعمال تخريبية متزامنة في مدن سعودية، ما يؤكد ما أشارت إليه التقارير الإعلامية بضلوعه في محاولة اغتيال عاهل السعودية الملك "عبد الله بن عبد العزيز".

لم يتردد "القذافي" في قمع معارضيه وتصفيتهم، وقتل أكثر من 1200 سجين رميا بالرصاص في سجن "بوسليم" عام 1996، وفي عام 1975 قام ضابط ليبي اسمه "عبد الله المحيشي" بمحاولة انقلابية فاشلة على "القذافي"، بعدما رأى تعذيب الأخير للمواطنين الليبيين وإذلالهم ومطاردتهم بوليسياً، كما كشف "المحيشي" ازدواجية "القذافي" في تعاملاته مع بعض شركات النفط، وأعطاهم امتيازات وضمانات مجزية تحت الطاولة، وكان "المحيشي" أول من أشار إلى أن "القذافي" كان طفلا لأب يهودي من يهود سرت، وقد تخلص "القذافي" من "الضباط الوحدويين" الذين انقلبوا عليه بالسجن وعقوبات الإعدام، وفي مرحلة ثانية تخلص من البقية بإرسالهم إلى حروب "أوغندا" و"تشاد"؛ ليلقوا حتفهم خارج ليبيا، وتجاهل "القذافي" الدعم العسكري الذي طلبه اللواء المتقاعد "خليفة حفتر"، وقتل في معركة "وادي الدوم" 1,269 جندياً ليبياً وأسر 438 آخرين كان من بينهم "حفتر".

رفض "القذافي" الربيع العربي في مهده، وعندما وصلت الثورة إلى أرض ليبيا، لم يقبل بالتفاوض أو الانسحاب من الساحة السياسية نزولاً على رغبات الجموع الشعبية، ووقع أكثر من قتال شرس بين قوات "القذافي" والمعارضة، وبدأت المدن الليبية تنضم تحت لواء الثورة، بالتزامن مع استقالات متتالية لسفراء ليبيا في الخارج، وتعاطي الشباب مع خطابات "القذافي" كمادة للفكاهة والسخرية.

بعد ثمانية أشهر من الثورة، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011، ظهر "القذافي" في تسجيل مصور مقبوضا عليه حيا، ويضربه من قبضوا عليه وهو مطروح على مقدمة سيارة "جيب"، وبعدها أعلن المجلس الوطني الانتقالي الحاكم في ليبيا، مقتل "معمر القذافي" بيد الثوار، ودفن في مكان مجهول، في نهاية غير متوقعة لحاكم سعى وراء الزعامة العربية والأفريقية والإسلامية.

 

إقرأ أيضًا.. «خليفة حفتر».. عرّاب «الثورات» في ليبيا