التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 04:35 م , بتوقيت القاهرة

صلاح نصر وستالين.. علاقة وطدتها وفاتهما

يقول أرسطو "البشر يُحكَمون بالخوف أكثر من المهابة"، ويقول بطل فيلم "شئ من الخوف"، عتريس: "شئ من الخوف ضروري عشان الحياة تمشي"...ويبدوا أن صلاح نصر، مدير جهاز المخابرات المصري، وأحد مؤسسيه، عمل بتلك النصيحة خلال ترأسه للجهاز، الذي أوغل في انتهاكات حقوق المعارضين للنظام الحاكم لمصر، في الخمسينيات والستينيات، حتى أن جمال عبدالناصر نفسه أمر باعتقاله ومحاكمته، عام 1967، وحصل على حكم بالسجن المؤبد، حتى توفي في مثل هذا اليوم 5 مارس من عام 1982.الاستبداد قد يصنع دولة قوية لكنها لا تدوم، وتضعف بضعف المستبد نفسه، وتزول بزواله، والاتحاد السوفيتي دليل واضح على ذلك، فحين كان جوزيف ستالين يحكمه، تحول من مجتمع زراعي إلى صناعي، وقفز قفزات اقتصادية هائلة، وامتلك الاتحاد السوفيتي القنبلة النووية، وصعد إلى الفضاء، وأصبح القطب الثاني في العالم، رأسا برأس مع الولايات المتحدة، ولكن لأنه دولة بنيت على الخوف، كان يكتسب شخصيته من شخصية رئيسه، أو من يصنعون رئيسه، فالنجاحات التي حققتها موسكو في عهد ستالين، أخذت تتلاشى تدريجيا حتى انهارت الدولة وتفككت عام 1991... وفي رأيي أن انهيار الاتحاد السوفيتي، سببه ستالين نفسه، فالرجل فرض فلسفة التآمر على كل شئ؛ أي رأي معارض فهو متآمر، وأي متآمر خائن للوطن، وأي خائن جزاءه السجن والتعذيب. وقد أصدر ستالين مرسوما يمنع التعذيب داخل السجون، باستثناء من ثبت تآمره على الوطن، أو من رفض الإدلاء بمعلومات عن المتآمرين، وبالتالي أصبح الاتهامين جاهزين لاستخدامها ضد أي شخص يفصح بكلمة ضد النظام الحاكم.توفي ستالين في 5 مارس من عام 1953، أي في نفس اليوم الذي مات فيه صلاح نصر، وكأن التاريخ يريد التركيز خلال موعظته اليومية، التي يوحي بها إلى كاتب هذه السطور، على الروابط المشتركة بين الشخصين، اللذين مثلا مدرسة في التخويف.


الأدباء وأصحاب الرأي والفكر في الاتحاد السوفيتي، كانوا مضطهدين، ورغم ذلك رفضت الشاعرة آنا أخماتوف، والتي يراها الكثيرون أعظم شعراء روسيا في القرن العشرين، ترك بلادها، رغم أنها كانت من معارضي البلاشفة، ورغم إعدام زوجها فلاديمير شليكو، عالم الآشوريات، وظل مبدأها التي صاغتها في شعرها "كم من الأحجار رُميت عليّ...كثيرة حدّ أنّي ما عدتُ أخافها... كثيرة حدّ أنّ حفرتي أصبحت برجا متينا"، وتوفيت أخماتوف في يوم وفاة الجلادين 5 مارس من عام 1966، رحلت وبلادها تحيي ذكرى رحيل جوزيف ستالين.جمهورية الخوف التي صنعها صدام حسين في العراق، جعلت الشيعة، يستغلون الوقت الذي بدا فيه ضعيفا وانتفضوا ضده... فبعد إعلان هزيمة العراق في الكويت على يد التحالف الذي قادته أمريكا، أعلنت ما عرفت بـ"الثورة الشعبانية" في مثل هذا اليوم من عام 1991، لكنها فشلت، واستطاع صدام حسين قمعها.مصطلح جمهورية الخوف في فلسطين بات قديما، وأصبح القتل والاعتقال والتهجير للمدنيين على يد إسرائيل المحتلة، أمرا عادي جدا، وحين تأتي اللحظة للانتقام لا يتردد الفلسطينيون لحظة؛ فالتطرف لا ينتج سوى تطرف مضاد، والقتل يواجهه دائما القتل، كما جرى في مثل هذا اليوم من عام 2003، حين تم تفجير حافلة ركاب بمدينة حيفا، وأسفر ذلك عن مقتل 17 إسرائيليا مدنيا.


الأمر نفسه فعله مجلس النواب اللبناني، في مثل هذا اليوم من عام 1984، حين ألغى اتفاقية السلام مع إسرائيل، المعروفة باسم "معاهدة 17 أيار"؛ فمن غير المعقول أن يحدث سلام مع محتل، يوغل قتلا في المدنيين قبل العسكريين، وغزو إسرائيل للبنان لا يمكن أن يواجه إلا بالبندقية، لا بالحرص على اتفاقية السلام التي انتهكت.