بينما يتمشى الفنان عبدالله غيث في أحد طرقات العالم الآخر بهمته المعهودة، إذا به يلتقي بالفنان عماد حمدي وهو في حاله الأخير، الذي يشبه كثيرا "أنيس" وزير الكيف في فيلم ثرثرة فوق النيل، فسأله عن سر كآبته.
فرد عماد حمدي: ألا تعرف أنني مت في مثل هذا اليوم من 28 يناير من عام 1984، بعد حالة اكتئاب حادة ألمت بي، نتيجة وفاة أخي التوأم، وإصابتي بالعمى وطلاق زوجتي الفنانة نادية الجندي، لدرجة أن جيبي لم يكن به جنيها واحدا، بعد الغنى والرفاهية واصطبلات الخيل والفيلات التي كنت أمتلكها، فضلا عن كوني "فتى الشاشة الأول"...أعععععد واهدا كدا يارجل، بقه مش عاوزني اكتئب رغم كل دا.

عبدالله غيث: أنا لم أعش هذه الحالة؛ فقد مُتّ بعدك بسنوات نتيجة أزمة قلبية مفاجئة، داهمتني وأنا أقوم بأحد أهم أدواري الدرامية في مسلسل "ذئاب الجبل"، واليوم هو عيد ميلادي، فقد جئت إلى الدنيا يوم 28 يناير سنة 1930، ولكني لم أكن مزواجا مثلك وكان احتكاكي بالوسط الفني خارج نطاق أسرتي، الأمر الذي وفّر لي مناخا مستقرا، ساعدني على الإبداع في أدواري الفنية، خاصة في الأعمال التاريخية، كفيلم الرسالة، الذي أكسبني تعاطف الفلاحين في قريتي "شلشمون" بمحافظة الشرقية، والتي مارس أهلها ضغوطا كثيرة عليّ كي أكون عمدتها، لكني رفضت.
عماد حمدي: ومأ أخبار شلشمون؟

عبدالله غيث: قل لي ما أخبار مصر... أحد زواري أخبرني أن ثورة قد قامت ضد حسني مبارك وخلعته، واليوم 28 يناير، ذكرى ماسموه بيوم"جمعة الغضب"، والذي كان فاصلا في تلك الثورة، إذ اقتحم فيه المتظاهرون ميدان التحرير وسيطروا عليه، بعد أن انهارت أمامهم الشرطة، عقب 4 أيام من المقاومة، كما شهد هذا اليوم اقتحام للسجون وأقسام الشرطة وحرق مقر الحزب الوطني الحاكم، الأمر الذي أحدث انفلاتا أمنيا غير مسبوق في مصر، لكنه أجبر مبارك على تقديم تنازلات متتابعة، أولها إقالة الحكومة، ثم حل الحزب الوطني، وتسليم سلطاته لنائبه عمر سليمان، وأخيرا تنحيه.
عماد حمدي: هناك ماهو أهم من السياسة... السياسة ليست إلا خازوق يقتل من يجلس عليه، كبرج إيفل الفرنسي الذي بني في مثل هذا اليوم من عام 1887، ويبلغ ارتفاعه 313.
عبدالله غيث: برج إيفل يعد من رموز الثورة الفرنسية، فهو تعبير عن الحرية والمبادئ التي جسدتها، وفق ما هدف إليه مؤسسوه بمناسبة افتتاح المعرض العالمي في باريس عام 1889.
عماد حمدي: ألازلت مصمم على ربط كل شئ بالسياسة، الأعمال التاريخية التي مثلتها أثرت عليك يا عبدالله، دعك مما حدث بعد وفاتنا، كلمني عن شئ أعلمه.

عبدالله غيث: السياسة هي من تفرض نفسها على التاريخ، وفي مثل هذا اليوم من عام 1924، بدأ سعد باشا زغلول في تشكيل أول وزارة شعبية في مصر، عقب فوز حزبه "الوفد" بأول انتخابات تشريعية بعد إقرار دستور 1923، بنسبة 90% من مقاعده... وأنت تعلم أن دستور 23 جاء نتيجة ثورة 1919، وأعطى سلطات للبرلمان في تشكيل الحكومة، وحجّم من سلطات الملك.
عماد حمدي: هيــــــــــــــــــــــــــــه ويفيد بإيه كل دا، طالما الانجليز كانوا محتلين مصر، ببساطة كانوا يقدروا يقلبوا الطرابيزة على الكل، ولا انت نسيت حادث سنة 1942، لما أجبروا الملك على اختيار النحاس رئيس للحكومة... صدقني مافيش أحسن الحشيش دوا؛ على شان تفصل عن التاريخ الحزين دا، ولا أقولك احكي... أديك بتسليني، قولي بقه صحيح، النهارده عيد ميلادك، إيه أحسن حدث شفته فيه.

عبدالله غيث: لا يوجد حدث جيد أذكره، لكن هذا التاريخ يضعني دائما أمام القاهرة التاريخية، تلك المدينة الساحرة، التي استوعبتنا جميعا، وشكلت بنا متحفا إنسانيا يسكن متحفها الحجري، وفي مثل هذا اليوم من عام 922، توفي باني القاهرة، القائد الفاطمي جوهر الصقلي.

عماد حمدي: دع مصر وشأنها، فقد علمنا عنها الكثير وعشنا فيها بما فيه الكفاية... قل لي ماذا حدث للعالم في ذكرى وفاتي.

عبدالله غيث: في مثل هذا اليوم من عام  1918 تأسس الجيش الأحمر السوفييتي، وذلك عقب انتصار الثورة البلشفية وإلغاء النظام القيصري... وفي نفس اليوم أيضا ولد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 1955، الذي اشتهر بصداقته ثم زواجه من كارلا بروني، عارضة الأزياء الشهيرة، ويصفه البعض بالأفشل بين رؤساء فرنسا؛ فهو الوحيد الذي لم يفز بولاية ثانية لرئاسته.

 
عماد حمدي: هو اللي يتّبه للنسوان هيفلح، اسألني أنا اتجوزت فتحية شريف وشادية وبعدين نادية الجندي، اللي كانت في مقام ولادي، وفي النهاية مت وحيد أعمى فقير.

عبدالله غيث: يبدو أن دور "وزير الكيف" في فيلم "ثرثرة فوق النيل" أثر فيك وجعلك محبطا، حتى بعد مماتك، لا أريد أن أثقل عليك أكثر من ذلك، سأذهب إلى مرقدي، وأنت اخلد إلى نومك الطويل.