التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 11:08 م , بتوقيت القاهرة

سميحة أيوب.. «سوسو» تقاطع سينما الإغراء وترفض «بحبحتها شوية»

على غير العادة وكاستثناءات نادرة، بمجرد حضور صوتها من الراديو في مسرحية إذاعية نستطيع تمييزه من أول وهلة، ولا مجال لشكٍّ حتى يقطعه يقين، إنه صوت سيدة المسرح العربي، سميحة أيوب، المحمّل بطاقات تمثيلية رهيبة، المُطعّم بأدق الأحاسيس وأرهفها، صوت واضح نقيّ متدفق منساب، صوت فطِن في تركيب الإحساس على اللفظ ومتمكن من تنويع "تون" الصوت ومجتهد في توصيل المعنى الداخلي، لن تسطيع أن تعدّ عليها خطأ واحدا في النطق أو في النحو أو في الوقف، يخرجك عن الحالة الشعورية التي تستغرقك تماما أو يشوشر على انسجامك.


حصرها مخرجو السينما في أدوار الإغراء


صوت سميحة أيوب، على حسب دورها، يشفّ برهافة عن قلب مُجَرَّح أو عقل مُحيَّر، أو فكر مشتت.. أو جسد معذّب يكتوي بنار الاحتياج والرغبة فيلفحك صهد حرارته اللاهبة عبر تنهدات وتأوهات وزفرات مدروسة وبحساب ودون مبالغة وافتعال، بل حتى إنها لا تحتاج هذه الخلطة العجيبة المضمونة، فقط لو قالت: "أريدك!" ستتجسد أمامك امرأة راغبة يجتاحها الشوق وتذيبها الرغبة، هي تجيد الإغراء بامتياز، إلا أنه إغراء مقنّن، إغراء حسب رؤيتها هي، إغراء النظرة واللفتة والإيماءة والغمزة والنبرة و... ليس إغراء، إنه غواية!



لدى حديث سميحة أيوب عن مبررات اعتزال السينما طوال 40 عاما وترهبّها في محراب المسرح، ولا يمنع أن تكسر حالة الاعتزال هذه أحيانا بأدوار تليفزيونية على الهامش، نشعر إحراجا رهيبا لدى وصفها ملكاتها الجسدية، إنها تتهرب من ذلك، سيدة المسرح الرصين البليغ الفصيح يعجزها إيجاد الألفاظ المناسبة. تعترف سميحة أيوب أن مخرجي السينما في الستينات وما بعدها حصروها في أدوار الإغراء، ورشحوها مرات ومرات لهذه النوعية من الأفلام، كانت ترفضها بشكل قاطع، فالإغراء بالنسبة لها ليس التعري وكشف أكبر قدر ممكن من جسدها، مفهوم الإغراء يختلف لديها، فبإمكانها أن تُغري وتُغوي بمجرد الإشارة!، إنه تكره السينما، تكره منطقها التجاري والسوقي الفجّ.


لم تقل سميحة أيوب كيف كان يرى مخرجو السينما جسدها يومئذ، تكتفي بأن تصف نفسها بـ"واحدة طويلة وعليها القيمة".. مع إشارة مبهمة من يديها كأنها تجسّم وترسم في الهواء جسدا منتفشا فائرا! وترتضي على استحياء بكلمة "الأنثى"، لكن يأتي الجواب من الدور الوحيد الذي أقرّت بأداء دور الإغراء الصريح فيه، دور "سوسو" في فيلم "أرض النفاق"، الصورة السينمائية المجسدة لـ"سوسو" أبلغ من أي كلام، حتى ولو خفّفت الكوميديا من وقعه وإثارته، لكن زادته الأجواء البلدية سخونة، وأضفى عليه حتى الاسم "سوسو" دلعا ودلالا!



بالفعل كانت سميحة أيوب مشروع ممثلة إغراء تمتلك كل المقومات الجسدية الأنثوية المتفجرة، كانت لتنافس هند رستم نفسها، كانت باذخة الأنوثة كانت مثالا لنموذج امرأة يرغب الرجال في مجرد الفرجة عليها على الشاشة.. ومع ذلك لم تُستدرج إلا مرة واحدة إلى هذا الفخ، الذي تكرهه، تكره أن تكون مجرد أنثى، مجرد سلعة رخيصة على الشاشة، وأصبحت سميحة أيوب مبغوضة من السينما التجارية، حتى أنها جزّت شعرها الطويل وقصّرته حتى تبعد هذه التهمة عنها، رفضت على شاكلة حوارها الشهير في فيلم "أرض النفاق" مع فؤاد المهندس لدى حديثهما عن معنى الشرف أن "تبحبحها شوية أو تصهين"!


لم تلعب سميحة أيوب دور البطولة فى السينما إلا من خلال عمل واحد هو "إفلاس خاطبة" سنة 1964، بينما لعبت الأدوار الثانية والثالثة في أفلام عديدة، منها "شاطئ الغرام" 1950، "الوحش" 1953، "ورد الغرام" و"المهرج الكبير" 1955، "جفت الأمطار" 1967، "سوق الحريم" 1970، "فجر الإسلام" 1971، وبلغ مجموع الأفلام التي قدمتها نحو 40 فيلما سينمائيا.


كان بإمكان سميحة أيوب أن تطوّع الأدوار لصالحها حتى لا تنقطع عن هذه السوق الرائجة، عن السينما، أن تحتال على هذا الوضع الذي تكرهه، كان بإمكانها أن لا تفقد بريق ونجومية السينما، لكن كان لها أسبابها الخاصة جدا، بل والعامة أيضا.


لم تكن سميحة أيوب، والتي درست في مدارس الراهبات، والتي رفض أبوها عملها في التمثيل والانخراط في هذا المجال، ولولا خالها ما كتب لها ذلك، لترضى بالإغراء، لا تتخيل أن تقبل أمها الصارمة التي ربتها على الالتزام والقيم أن تعرّي جسدها وتتلوى وتتثنى، ملابسها في أدوارها في الأفلام السينمائية كانت محتشمة وغير مبتذلة ولائقة بابنة شبرا، هناك شعرة بين الإغراء والفن تدركه سميحة أيوب منذ طفولتها، تدركه بفطرتها التي حدّثتها منذ مشاهدتها فيلم "الحذاء الأحمر" بأن تصبح راقصة باليه، شتان بين راقصة باليه وممثلة الإغراء، لا تتفق الحالة النفسية للإغراء مع شخصيتها القوية شديدة الاعتداد بنفسها التي تناطح الرجال وتفرض سطوتها على الجميع.


أعطت حياتها راضية للمسرح الذي توجها سيدة له


هذا الشعور الأسري التربوي والقيمي زكّاه فيما بعد حسٌ قومي وسياسي كان بطله الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، آمنت سميحة أيوب برسالة الفن التنويرية، ترفض أن تخون عهدها المغلّظ مع الرئيس جمال عبد الناصر منذ منحها وما تزال في السادسة والعشرين من عمرها وسام الفنون، هذا الوسام حدد مصيرها الفني، اختطّ لها الطريق، وما زالت تمشي على خطه "المستقيم السليم"، تفضي بسرها: "كل الخطوات التي اتخذتها في فني بسبب الرئيس العظيم جمال عبد الناصر، الذي حمّلني المسؤولية وأنا عندي 26 سنة، أعطاني وسام الفنون"، وتستفيض بنبرتها الغاضبة الساخرة المميزة: "أرفض الأدوار المبتذلة والألفاظ المتكلفة.. أنا سميحة أيوب أشتغل حاجة فيها فكر، مش شغل في كباريه وواحدة قاعدة معاها سيجارة وخلاص".



خاصمت سميحة أيوب السينما التي حصرتها في الإغراء، لتتوج عبر نحو 170 مسرحية عالمية ومحلية، منها "رابعة العدوية"، "سكة السلامة"، "دماء على أستار الكعبة"، "أجاممنون"، "دائرة الطباشير القوقازية"، سيدة للمسرح العربي، سيدته الوقورة التي يبعث حضورها على الجلال والهيبة والذي سطرت تاريخها بالجهد والعرق والإبداع الرفيع.


فاز بسميحة أيوب المسرح بعد مقاطعتها السينما


سامية جمال.. ورقة يانصيب عند المأذون تربح مع «الدنجوان»


شيرين عبد الوهاب.. مبررات ساذجة لتحضير "سد الحنك"


محمود الجندي.. "فنان فقير" أقلع عن الضحك!