التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 12:17 ص , بتوقيت القاهرة

رسائل الرئيس المنصفة: شريف إسماعيل

كتب - أحمد محمد توفيق


كلمات التقدير كالأحجار النفيسة.. كلما كانت "نادرة"، تضاعفت قيمتها، وبدا بريقها ساطعاً في أعين الناس.. وكلما ازدادت شيوعاً غدت باهتة، باردة، غير ملفتة، كسلعة استهلاكية !


لذا كم كانت "ثمينة" العبارات المنصفة للرئيس عبد الفتاح السيسي في حق المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء غداة افتتاح مرحلة الانتاج المبكر من حقل ظهر الأربعاء قبل الماضي.. فالكلمات صدرت عن رجل لم يعتد الثناء، بقدر ما يلهج لسانه دوماً بالحث على بذل المزيد من العرق والإنجاز، كما أنها تتعلق برجل يخجله الإطراء، ويهوى العمل في صمت. 


حديث الرئيس الذي لم يتجاوز زمنه الدقيقة والنصف، ربما أدار أمام أعين "شريف اسماعيل" سنوات عمره الـ 62 كشريط سينمائي.. بداية من ذلك الفتى اليافع الذي يدرس علوم الهندسة بجامعة عين شمس، ثم المهندس الحالم الذي يلتحق بمجال البحث والاستكشاف بشركة موبيل، مروراً بالوزير الذي يتقلد حقيبة البترول في يونيو 2013، وصولاً للحظة حلف اليمين كرئيس لوزراء مصر منتصف سبتمبر 2015 ليتحمل المسئولية في فترة غاية في الدقة، وبإمكانات شديدة الندرة، فرضت عليه وفريق الحكومة كما يقول المثل الشعبي.. "أن يغزلوا برجل حمار".


شريف اسماعيل


كلمات الرئيس المفاجئة التي ألقت بظلال من الرضا على محيا دولة رئيس الوزراء، جاءت تكليلاً لمسيرة عمل دؤوب، وتقديراً لجهد مخلص، وترياقاً لرحلة مرض مريرة، فالشخص الهادئ في داخل "شريف اسماعيل" أراد له القدر أن يلعب دوراً محورياً في أكثر فترات مصر صخباً، حيث تدور تروس العمل دون توقف في مختلف القطاعات لإحداث التنمية المستدامة، والقرارات المصيرية المؤجلة تغدو ضرورة لا تحتمل الإرجاء، وجبهة الحرب ضد الإرهاب يشتد وطيسها لتطهير الوطن من آثام التطرف، بينما منابر الاعلام تسلط الضوء على ذلك كله، تراقب.. وتحلل.. وتقيم.. فمهندس البترول ذو الملامح الجادة بات مضطراً إلى أن يترك وراء ظهره السكون الذي اعتاده، وراحة البال التي ألفها، ليستمر في العمل لساعات طويلة، ثم يقف أمام نواب الشعب أو كاميرات التلفاز بوجه ينطق بالألفة للرد على ما يثار، وتوضيح الحقائق بنبرة هادئة، وعبارات محددة.


ولست أشك أن كلمات الرئيس قد اجترت في صدر "شريف إسماعيل" تفاصيل رحلة علاجه الأخيرة.. التي أفاضت طوفاناً جارفاً من المشاعر الإنسانية في نفوس المصريين.. ربما كان لها أثراً بالغاً في تجاوز الرجل لهذه المحنة، ربما أكثر مما كان لأثر مشرط الجراح، وأقراص الدواء، وإبر المسكن.. فـ "المرض" أوجد حلاً للمعادلة الصعبة، فالمواطنون الذين يسود حديثهم التذمر حول آثار القرارات الاقتصادية لحكومة شريف إسماعيل، جميعهم حبس الأنفاس لدى عودته من فريضة الحج الماضي وأمارات المرض تنعكس على محياه، قبل أن يرفعوا أكفهم بلا استثناء ابتهالاً بالدعاء وهو يغادر أرض الوطن في نوفمبر 2017 لإجراء جراحة عاجلة بألمانيا.


ومن حقل ظهر بحوض المتوسط، إلى مقر مجلس الوزراء بقصر العيني، حيث عاد المهندس شريف إسماعيل لمقر مجلس الوزراء بعد 10 أسابيع من الغياب، ليجد نفسه محاطاً بتظاهرة حب من فريق الحكومة وأعضاء مكتبه، انعكس أثرها في صورته وهو يضم يديه إلى صدره عرفاناً لمشاعر الود وعين الرعاية.. فقد ربتت على كتفه يد "الحب" فأزاحت عن كاهله عناء "المرض".. وشاء الله أن ينير له درب اليقين بما له من رصيد لدى اناس، جزاء دأبه المتواصل، وتواضع روحه الذي لا تخطأه عين، فالله لايضيع أجر من أحسن عملا.


تبقى كلمة.. دهاليز السياسة، وجفاف الأرقام، ودائرة الضوء، والموكب الرسمي.. أخفقت جميعها في خدش روح "شريف إسماعيل"، فالنبت الطيب خرج من بذرة صالحة، هكذا تفصح سكناته وكلماته في كل تواجد علني، أو ظهور  إعلامي، وبهذا يشي أسلوب إدارته المتزن لأوركسترا الحكومة، وتفاعله الدائم مع نواب البرلمان، والمواطنين بالمحافظات، ورجال الاقتصاد والفكر والرأي.. هذا في الوقت الذي لم تتمكن أيضا تحديات المرحلة من التأثير على عزيمته ودأبه في العمل، فقد اعتاد "الصبر" خلال رحلته في مجال البترول لنحو 4 عقود.. يضرب الأرض ثم يتريث لأشهر أن تفصح عما تخبأه من ثروات.. تماما كما ينتظر الآن بنفس مطمئنة أن يرى ثمار مابذل من جهد مخلص، على مستقبل مصر في المستقبل القريب.