التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 02:24 ص , بتوقيت القاهرة

خليك في البيت... خليك انت !!

كتب - أحمد محمد توفيق


تأبى القوى السياسية المدنية في مصر الاعتراف بكونها أخفقت في أن تغدو "فاعلاً" حقيقياً على الأرض، حيث لم تنجح أي منها في استثمار المناخ السياسي الذي فرضته ظروف اندلاع ثورة 25 يناير 2011 التي ألقت في مياه السياسة الراكدة ألف حجر.. وجعلت الطريق ممهداً أمام هذه "القوى" لتمارس دورها في الحشد، وبناء رصيد جماهيري، ومد جسور التواصل مع السلطة الحاكمة للتعبير عن نبض الشارع وأوجاعه.


خليك في البيت".. هي المبادرة التي تفتق بها ذهن من وضعوا لأنفسهم عنوان "الحركة المدنية الديموقراطية" وهي التحالف الذي يضم الجانب الأكبر من الأحزاب المدنية والسياسيين البارزين، ولعل أبرزهم السيد/ حمدين صباحي المرشح الرئاسي الأسبق.. والتي تمثل كما يشير اسمها دعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس المقبل.


المبادرة السلبية تأتي استمرارا لنهج القوى المدنية السياسية في تصوير نفسها كـ "مفعول به" من جانب السلطة الحاكمة، والتي حملتها الحركة مسئولية ما اسمته غلق المجال العام، وإجراء الانتخابات الرئاسية دون ضمانات كافية، بل لم حرجا في تحميل السلطة بمنتهى الغرابة مسئولية عدم تقدم مرشحين !


كان باب الترشح مفتوحاً على مصارعيه في الوقت الذي أصرت تلك القوى المدنية على وضع كفها على أعينها لتراه موصدا، والواقع أن هذه القوى فضلت بإرادتها الكاملة التراجع لخطوات عن خط بداية السباق الرئاسي، لتروج لانسحاب زائف من المشهد، دون أن تود النظر في مرآتها، كي لاتواجه الحقيقة الكامنة وراء إخفاقها، فالصورة التي ترسمها لقوى سياسية تكبلها يد السلطة الحاكمة عن ممارسة دورها تعد مرضية لهذه "القوى" وتلقى قبولاً لدى الخارج.


ودعونا نضع الآن مرآة الحقيقة في وجه "الحركة المدنية الديموقراطية"، لترى كم تضاءلت حين أطلت بحضور باهت ومحبط للدعوة لمقاطعة الاستحقاق الرئاسي، فبدت كمن تمخض فولد فأراً، وصمت فنطق كفراً.. ومن أطلق صوت ضجيج دون أن نرى طحناً. وربما مثلت الدعوة محاولة يائسة لمداراة سوأة هذه القوى المدنية التي لم تنجح في الالتفاف حول مرشح واحد يمثل تياراتهم وأفكارهم، وربما جنحت للأمان بعيداً عن المراهنة على رصيدهم لدى الشارع المصري لاسيما في المحافظات وهي تحاول جمع استمارات تأييد لهذا المرشح.


يرى الفيلسوف الأوروبي جان جاك روسو أن رصيد الديموقراطية الحقيقية لا يكمن في صناديق الانتخابات، وإنما في وعي الناس، والدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة تمثل سعيا لتزييف وعي الجماهير  مهما كانت نوايا من أطلقها، ربما لايدرك قادة الحركة المدنية الديموقراطية أن الدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة تمثل سعياً لتزييف وعي الجماهير، والتي ربما لم تنسى بعد كم كانت قاسية نتائج المقاطعة التي دعت اليها ذات القوى في انتخابات عام 2012 والتي سلمت الوطن على طبق من ذهب لموجة فاشية دينية متطرفة كادت تنال من هوية مصر الحضارية، وتعبث بأمنها واستقرارها، وتفرض ستاراً من الضباب حول مستقبل هذا الوطن، لولا صحوة الشعب المصري ونجدة جيشه الأبي.


لفيروز أغنية تصدح فيها : خليك بالبيت الله يخليك.. ولعلي أود أن أهديها للحركة المدنية الديموقراطية لتتخذ لنفسها ذات الشعار الذي صاغته بايديها.. لتعود الى مراقبة المشهد كما اعتادت والارتكان حيث تفضل لمقاعد المشاهدين، وأعمدة النقاد، ومنصات الإعلام، ودهاليز التواصل الاجتماعي.. فليتها "تخليها في البيت".. وتترك لجموع الشعب القرار، دون أن تندهش حين ترى الجماهير تهب للمشاركة في الاستحقاق الرئاسي بما يعكس وعيها بحقيقة التحديات.  


لنقل للحركة المدنية الديموقراطية.. خليك بالبيت الله يخليك.. فقد ضل سعيهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.