التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 07:52 م , بتوقيت القاهرة

"بلا أثر".. تحقيق استقصائي يكشف تآكل الأراضي الأثرية في مصر (2-4)

دهشور واللشت.. تجريف تحت مظلة المصالحات


3 مصالحات صادرة في 2016 لمتعدِ واصل التحجير في أرض الآثار لعامين


صور القمر الاصطناعي ترصد ما جرفه التحجير من أرض دهشور العام الماضي


إحصائية رسمية: تنفيذ إزالة 10% فقط من التعديات على أراضي آثار الجيزة


وزارة الآثار: ليس لدينا أي مصالحات مخالفة للقانون  


 


تحقيق- أحمد عيد عاشور وعلاء أبورية


لم تكن منطقة حفائر الفسطاط، التي وثقنا في الجزء الأول من هذا التحقيق تعرضها للتعديات، سوى ضحية واحدة من ضحايا الانتهاكات التي تتعرض لها الأراضي الأثرية في مصر، بالمخالفة لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983.


فمساحات أثرية واسعة بالجيزة سقطت أيضًا في قبضة فوضى الحفر والتجريف لأغراض التحجير، وكأنها أرض بلا صاحب وبلا تاريخ، وكأنها لا تحمل آثار ماضٍ عريق متمثل في أهرامات شاهقة مترامية على طول منطقة آثار دهشور واللشت، ما أهلها لتحتل مكانة بارزة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.


الحلقة الأولى| "بلا أثر".. تحقيق استقصائي يكشف تآكل الأراضي الأثرية في مصر (1-4)


مصالحات بالجملة


من ضمن المتعدين على أراضي آثار دهشور واللشت أحد العاملين في التحجير، يدعى "ع.ع.م."، وبسبب ما أحدثه من تجريف للأراضي الخاضعة للآثار وفقًا للقرار رقم 256 لسنة 1979تحرر محضر ضده في 4 أغسطس 2013.


وكان التعدي، وفقًا لما جاء في محضر التحقيق، عبارة عن "حفر وتجريف وتحميل مواد محجرية على مساحة 100*100 متر، وبناء حجرة من البلوك الأبيض على مساحة 3*2 متر".


أخذ المحضر مساره القانوني ليتحول لقضية تحمل رقم 8545 لسنة 2013 جنح البدرشين المقيدة برقم 2718 لسنة 2015 مستأنف الجيزة.


لم توقف القضية المتعدي عند حده، فواصل تعديه ليتوسع 100*100 متر، لعمل محجر طفلة، ليُحرر ضده مرة أخرى محضر بتاريخ 28 مايو 2014، وتحول المحضر لقضية رقم 12856 لسنة 2014 جنح البدرشين.


تصالح مع المتعدي


لم يستغرق الأمر سوى 6 أشهر حتى حرر محضر ثالث بتاريخ 16 أكتوبر 2014، ضد نفس المتعدي، وذلك لحفره محجر طفلة آخر ظل يستفيد منه، في ظل استمرار مقاضاته في القضية رقم 6758 لسنة 2014 جنح البدرشين.


الأمور كلها في المحكمة كانت تسير باتجاه معاقبة المتعدي بالحبس "مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد عن مائة ألف جنيه"، باعتباره تعديا على أراضي أثرية بدون ترخيص، وفقًا لما نصت عليه المادة 43 من قانون حماية الآثار.


إلا أن ثلاثة خطابات وجهت في مايو 2016 لرئيس محكمة البدرشين ورئيس محكمة جنوب الجيزة الكلية، مذيلة بإمضاء رئيس الإدارة المركزية لآثار القاهرة والجيزة، وباعتماد رئيس قطاع الآثار المصرية، ومختومة بختم النسر، نصت على أنه بعد موافقة "الإدارة العامة للشئون القانونية للمجلس الأعلى للآثار إدارة الفتوى وموافقة السيد أ.د/ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار لإعطاء المذكور مصالحة".


 وجاء في نص المصالحة بأن المتعدي "أزال التعدي وقام بتسوية الأرض وأرجع الشيء إلى أصله على نفقته الخاصة، وتعهد بعدم التعدي مرة أخرى".


 


محضر آخر للمتعدي


ولكن، طبقًا لما جاء في نص المصالحات، فإن إجراءات إزالة التعدي حدثت في فبراير 2016، بما يعني أن المتعدي استفاد لمدة تصل إلى أكثر من عامين ونص من أول تعد وقع على الأرض الأثرية.  وكان من المفترض أن ينفذ قرار إزالة التعدي بعد 10 أيام فقط من وقوع التعدي، وفقًا لنص المادة 17 من القانون رقم 3 لسنة 2010 المعدل لقانون حماية الآثار 117 لسنة 1983.


هذه المصالحات ليست صادرة لحالة فردية، فقبلها تحرر محضر ضد المواطن "خ.ع.م."، في 7 أغسطس 2011 لتعديه "بتحميل مواد تحجير (طفلة) على مساحة 50م*50م" على أرض آثار دهشور، وتحول المحضر لقضية برقم 8358 لسنة 2011 جنح البدرشين مقيدة برقم مستأنف جنوب الجيزة 9369 لسنة 2013. إلا أن المتعدي أفلت، هو الآخر، من العقاب بموجب مصالحة صادرة من رئيس الإدارة المركزية للقاهرة والجيزة وباعتماد رئيس قطاع الآثار المصرية بتاريخ 24 فبراير 2016.


 


إخطار تصالح لمتعدي آخر


تزامنت هذه المصالحات، مع نشاط عمليات التحجير في أراضي الآثار، وفقًا للمذكرة التي رفعتها مدير عام الآثار بمنطقة دهشور سابقًا، وهيبة صالح، لوزير الآثار خالد عناني بتاريخ 26 مايو 2016.


 ووفقًا لما تقوله "صالح"، في لقائنا معها، فإن تعديات المحاجر أسفرت عن ظهور سور هرم مزغونة، ثم تدميره. وهرم مزغونة داخل حيز أرض القرار 256 لسنة 1979، الذي وقعت فيه التعديات التي صدر لها مصالحات.


وتضيف أن اللوادر التابعة للمحاجر تحمل الطفلة بكميات جعلت الحفر يصل إلى 15 متر، وتخرج بهذه الطفلة لتستخدمها في أعمال تجارية.


وهذا يثير تساؤلا، من جانبنا، بشأن الكيفية التي أعاد فيها المتعدي الشيء لأصله، وفقًا لما جاء في مستندات التصالح.


وعند إطلاع "وهيبة صالح" على مستندات التصالح، أعربت عن دهشتها لأن أعمال التحجير لم تتوقف، ولكونها لا علم لها بأي مصالحات مع من سبق لهم التعدي على أراضي المنطقة.


كما حصلنا على مذكرة أرسلها تفتيش آثار دهشور واللشت في يوم 28 ديسمبر من العام الماضي إلى رئيس الإدارة المركزية لآثار القاهرة والجيزة، لإبداء الشكوى من استمرار التحجير، ووصول الحفر الذي أحدثه إلى مسافة تصل إلى كيلو ونصف من الهرم المنحني التي سبق أن تم اكتشاف تابوت وصندوقين للأواني الكانونية في محيطه.


وتفصح هذه المذكرة عن السبب الرئيسي لاستمرار التعديات بلا رادع بالرغم من "كل الإجراءات التي اتخذتها المنطقة والمحاضر"، وهو "عدم تنفيذ أي عقوبة ضد أي متعدٍ على أرض الآثار منذ ثورة يناير 2011 حتى الآن"، مطالبة من الأمن العام بضرورة القبض على المتعدين الصادر ضدهم أحكام جنائية.


مذكرة تكشف عن استمرار التعدي


 


التحجير يزحف


وللتأكد من التغيير الذي طرأ على المنطقة بين عامي 2015 و2017 بفعل أعمال التحجير، فحصنا المنطقة الواقعة داخل الحيز الذي حدده القرار 256 لسنة  1979 عبر القمر الاصطناعي، فوجدنا أن المساحات المجرفة نتيجة لأعمال التحجير اتسعت طولًا وازدادت عمقًا، كما استمر زحف أنشطة التحجير حتى مايو 2017، وهي آخر ما رصده القمر الاصطناعي.


يمكنك مشاهدة الاختلافات التي طرأت على المنطقة من هنا.


صورة من القمر الاصطناعي تكشف مدى التعدي على الأراضي الأثرية


 


وتشير إحصائية رسمية حصلنا عليها، إلى أن مناطق الآثار بمحافظة الجيزة تعرضت لـ 681 تعدٍ في 2016، وعلى الرغم من صدور قرارات إزالة لهم جميعًا، إلا أنه لم ينفذ منهم إلا 73 قرارا فقط، بنسبة  10,7% فقط من إجمالي القرارات.


 


رد وزارة الآثار 


على الرغم من أننا أرفقنا بطلب الرد الذي تقدمنا به إلى مكتب وزير الآثار خالد عناني، أسئلة تخص التحقيق بالكامل، لم يتناول الرد الذي جاءنا من مكتب مساعد الوزير لشؤون المناطق الأثرية الدكتور محمد عبداللطيف، إلا ما كشفناه من تعديات في منطقة دهشور واللشت فقط.


ووفقًا لما جاء في الرد، فإن إجمالي التعديات على المنطقة الأثرية بدهشور واللشت بلغ 246، تم تنفيذ إزالة 165 تعدي (67% من إجمالي التعديات)، وهناك 44 قرار إزالة لا يمكن تنفيذهم، لكونها تعديات ببناء مقابر لا يمكن هدمها بعد دفن الموتى بها.


وأرجعت الوزارة عدم سرعة تنفيذ الإزالات إلى نقص المعدات والإمكانات المطلوبة لتنفيذ قرار الإزالة، وأن الوزارة أرسلت خطابات للجهات المعنية (الجهاز المحلي والشرطة)، لتحدد مواعيد تنفيذ الإزالات.


وأنكرت الوزارة معرفتها بأي مصالحات مخالفة، مشيرة إلى أن أي تعدي يقع يتم تحرير محضر بشأنه، ويأخذ المحضر طريقه للجهات القضائية لتنظر في القضايا الخاصة بها لإنزال حكمها دون تدخل من الوزارة.


اقرأ أيضا


"المؤبد و10 ملايين جنيه".. عقوبات مشددة لحماية الآثار أمام البرلمان