القدس والمفتاح الضائع
فلاش باك
في البدء كان الهتاف: «ع القدس رايحين شهداء بالملايين». شعار رفعه قطاع عريض من العرب والمسلمين، لكن أحدًا لم يتاجر به مثلما تاجر به الإخوان ومَنْ هم على شاكلتهم.
الإخوان، عندما كانوا خارج السلطة، لم يملوا من ترديد هذا الشعار. استخدموه ورقة ضغط على الرئيس الأسبق حسني مبارك، وطالبوه بفتح باب الجهاد لنصرة الأقصى. ولما قال لهم الأخير «باب الجهاد مفتوح»، رأينا لسان حالهم يقول: «لِفْ وارجع تاني»، لا طاقة لنا اليوم بالاحتلال ومَنْ وراءه؛ متذرعين بأن الحكومة لا تساندهم بالسلاح المطلوب لتحرير الأقصى المغتصب.
بعد «ثورة/ أحداث/ نكسة/ مؤامرة» يناير 2011، وقف الداعية الإخواني صفوت حجازي يخطب في الجموع المحتشدة بميدان التحرير؛ رافعًا العلمين المصري والفلسطيني، وهو يزأر بالهتاف «المُغلف»: «ع القدس رايحين شهداء بالملايين»، و«خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود».
لكن بعد جلوسهم على رأس السلطة لا رأيناهم زحفوا بالعشرات إلى القدس، ولا أعدوا «جيش محمد».. بل عملوا على توطيد علاقاتهم مع «صديقهم الوفي بيريز»!
أوت أوف كادر
القدس تحتاج إلى رجال لا يعرفون الخوف، ورجال الإخوان «تأنثوا» عندما ارتدى قياداتهم «النقاب» هربًا من ملاحقة القوات لهم بعد فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة في أغسطس 2013. وفروا فرار الفئران من الأسد.. فهل كان يُعول على هؤلاء في تحرير الأقصى؟!
زوووم إن
يتفنن العرب في إطلاق «الشعارات». كل مناسبة لها شعاراتها المناسبة؛ العلم؛ الصحة؛ العرض؛ الأرض.. لكنها شعارات لم تبرح الحناجر، ولم تترجم إلى أفعال إلى في مرات أقل من أصابع اليد الواحدة.
نحن أمة الشعارات، نعيش عليها، ونقتات منها، ونبتلع الهزيمة تلو الهزيمة، اللهم إلا ما ندر. وهذه ليست دعوة لليأس والانهزامية، بل للتأكيد على أن تحرير فلسطين لن يكون بالشعارات واستجداء سلام مع مَنْ يكره السلام ولا يؤمن به.
يوم أن قرر الصهاينة إقامة دولتهم على تراب فلسطين، لم يطلقوا شعارات جوفاء، بل مارسوا أفعالا تحقق لهم ما أرادوا؛ فزيفوا التاريخ، وشوهوا الحقائق، وأرغموا العالم على تقبل ما قصدوه.
أكشن
شكرًا ترامب. كان للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الفضل في إعادة القضية الفلسطينة إلى صدارة المشهد السياسي الدولي، بعد أن خبا ضوؤها، باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإعلانه نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، قبل أن يؤجل تفعيل هذا القرار لحين إشعار آخر، عقب اندلاع موجة غضب عربية وإسلامية عارمة.
قرار ترامب أعاد إحياء الأمل لدى العرب. أثبت أن العرب قادرون على الفعل. أثبت أن بإمكانهم الخروج من خانة المجرور، أو المضاف إليه أو المفعول به. أثبت أنهم من الممكن أن يسطروا فصلًا جديدًا مشرفًا من التاريخ، فقط إن أرادوا ذلك.. من الحماقة أن نحمل مصر كل أوزار العرب، ونطلب منها بمفردها حل مشاكل العرب.
مصر تقدمت بمشروع قرار في الأمم المتحدة ضد قرار ترامب باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. صوتت 128 دولة لصالح القرار المصري، واعترضت 9 دول، وامتنعت 35 دولة عن التصويت خوفًا من تهديد واشنطن بوقف المساعدات المالية التي تقدمها لتلك الدول. وانضمت 7 دول هي «جواتيمالا، وهندوراس، وتوجو، وميكرونيزيا، وناورو، وبالاو، وجزر مارشال» إلى إسرائيل والولايات المتحدة في التصويت ضد القرار.
موقف عربي ودولي ناصع البياض.. شكرًا للذين قالوا «نعم» للقرار المصري. شكرًا لمن قال قولة الحق، ولم يخش تهديدات أمريكا، ولم يخضع لابتزازها بالمساعدات المالية، وهذا أضعف الإيمان.. شكرًا لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، الذي رفض مقابلة نائب الرئيس الأمريكي «مَنْ يزيفون التاريخ ويغتصبون الحقوق».. شكرًا البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، الذي اتخذ موقف شيخ الأزهر.. ولكن؟
زوووم أوت
ألا كل شعب ضــائـع حقـه ســدى
ما لم يؤيـــد حقــه المدفـع الضخم
متى عفَّت الذئبان عن أكل صيدها
وقــد أمكنتهــا مـن مقاتلهــا البُهـم
فركش
مَنْ قال إن الحقوق تُسترد بـ«القرارات»، والدعوات الطيبات فقط؟! وهل يظن العرب أن الله سينصرهم على أعدائهم بـ«الدعاء»، بينما يقتلون بعضهم بعضًا بـ«السلاح»؟
نعلم جميعًا أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة «غير ملزمة»، لكن ليس معنى ذلك أن التصويت ضد القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال «غير مهم». العكس تمامًا، فهو وإن كان غير ملزم، إلا أنه يشكل وزنًا سياسيًا، وقد يكون ورقة ضغط ضد واشنطن وسوف يؤثر على مكانتها كـ«وسيط للسلام»؛ فالقدس مفتاح السلم والحرب في الشرق الأوسط.. فماذا أعددنا لاستعادة القدس؟