التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 04:20 ص , بتوقيت القاهرة

القدس والسيسي.. و«إخوانا البعدا»!

جمعتني جلسة مع بعض الأصدقاء والزملاء من ذوي الميول الفكرية المختلفة، والاتجاهات السياسية المتباينة، والأيديولوجيات المتفاوتة.. وكانت القدس والقضية الفلسطينية محور حديثنا.. وفجأة- وكما هي عادته وعادة الفصيل الذي ينتمي إليه- وجه أحد الجلوس سؤالًا إلي شخصي: هل يعجبك ما فعله ويفعله السيسي في فلسطين؟


عقدتُ حاجبي من الدهشة، ومططتُ شفتاي، واعتدلتُ في جلستي؛ استعدادًا لخوض معركة متكررة، قبل أن أرد على سؤاله بسؤال:
- وماذا فعل السيسي يا سيدي؟!


بنبرة حادة، ولهجة جادة: لقد ترك «الحقيرة» أمريكا تنقل سفارتها إلى القدس، دون أن يتخذ موقفًا يتناسب مع حجم النكسة التي ألمَّتْ بفلسطين والعرب جميعًا..!


أراد أحد الأصدقاء الرد على سؤاله، لكني أشرتُ إليه بألا يفعل، وأنني كفيل بالرد عليه وإخراسه كما في كل مناقشة.. فسألته:
- هو السيسي رئيس مصر ولا فلسطين؟


- مصر طبعًا.


- وطالما أن السيسي رئيس مصر، لماذا تتهمه بالتقصير والتخاذل عن اتخاذ إجراءات في دولة أخرى، حتى ولو كانت دولة شقيقة لصيقة؟


- لأنه هو الذي تولى الدفاع عن القضية الفلسطينية، وأخذ على عاتقه المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة على السلطة، وأنه أكد أكثر من مرة رفضه لتهويد القدس.. فكان لا بد أن يعلن الحرب على إسرائيل وأمريكا، وهذا أضعف الإيمان..


- أضعف الإيمان؟ أي إيمان تتحدث عنه أنت وجماعتكم والدول التي تحجون إليها، وتتخذونها قبلة لكم؟ ماذا فعلتم للقدس عندما كنتم في السلطة؟ ماذا فعل رئيسكم مع صديقه الوفي «شيمون بيريز»؟ هل ذهبتم إلى القدس بالملايين كما كنتم تصدعون رؤوسنا بهتافاتكم؟ هل أعدتم جيش محمد ليقاتل بني صهيون، أم أعددتم جيشًا لقتال المسلمين فقط؟


امتقع وجهه قليلًا، قبل أن يعاود سماجة أسئلته: على الأقل يفعل مثلما فعل أردوغان؟


حاولتُ- قدر الإمكان- الاحتفاظ بهدوئي، وكظم غيظي.. أخذتُ نفسًا عميقًا، وأرجعتُ ظهري إلى مسند الكرسي قبل أن أرد عليه بسؤال: وهل أعلن أردوغان الحرب على إسرائيل؟ وهل قطعت تركيا علاقتها  الدبلوماسية مع الاحتلال؟ وهل أوقفت تعاملاتها الاقتصادية وتعاونها العسكري مع الكيان الصهيوني؟ وهل خرجت من «الناتو»، وطردت جيوش الحلف من أراضيها؛ احتجاجًا على دعمه وتأييده ممارسات الاحتلال القمعية ضد الفلسطينيين الأبرياء؟


- لا لم يفعل أردوغان، ولم تفعل تركيا.. لكن...


- دون أي لكن.. ملأتم الدنيا صراخًا بباكستان، وأندونيسيا، وماليزيا، وإيران، وقطر.. فماذا فعلت هذه الدول للقضية الفلسطينية؟ وماذا فعلت لمواجهة الصلف الصهيوأمريكي؟ هل أعلنت عن وقف تعاملاتها الاقتصادية بالدولار الأمريكي؟


- لا، ولكن..


- هل وجهت إيران وتركيا صواريخهما تجاه الاحتلال؟


- لا، ولكن..


- هل أعلنت قطر طرد الأمريكان من أراضيها وإغلاق قاعدة «العديد» العسكرية الأمريكية؟


- لا، ولكن..


- هل لوحت باكستان «المسلمة»- ولو مجرد تلويح- باستخدام قنبلتها النووية لردع الكيان الإسرائيلي؟


- لا، ولكن..


- هل تخلى الإخوان والتنظيمات السياسية المتأسلمة عن رغد العيش في الدوحة، وأنقرة، وعواصم أوروبا وأعلنوا النفير العام ضد الكيان الصهيوني، وضد الإمبريالية الأمريكي؟ وهل أعلنت المليشيات الإيرانية المسلحة الجهاد ضد الاحتلال، بدلا من توجيه أسلحتهم ورصاصاتهم لصدور العرب، وتدمير بلاد المسلمين؟ هل اتفقوا على تحرير المسجد الأقصى من دنس الصهيونية، بدلا من اتفاقهم على «تحرير الأزهر» من قبضة المسلمين؟!


- لا، ولكن...


- هل اتفقت الفصائل الفلسطينية على مقاومة العدو المحتل، مثلما اتفقت على الاقتتال فيما بينها، والتناحر على السلطة ولو على حساب الفلسطينيين الأبرياء؟


- لا، ولكن..


- هل سمعت أن ما تسمى بجماعة «أنصار بيت المقدس»، نفذت عملية واحدة ضد الإسرائيليين، و تحرير فلسطين والمسجد الأقصى وبيت المقدس؟


- لا، ولكن..


- هل أوقفت الدول العربية والإسلامية صادراتها النفطية إلى أمريكا والدول التي تساند إسرائيل؟ وهل سحبت بعض استثماراتها من هذه الدول؟ وهل قلصت حجم إنفاقها العسكري والتعامل مع دول أخرى؟ وهل قاطعت منتجات هذه الدول، وأوقفت الاستيراد منها؟


- لا، لكن هناك كلام عن تفعيل المقاطعة.. 


- كلام.. لا نأخذ منكم غير كلام.. تريدون من مصر أن تقاطع وحدها.. تريدون من جيشها أن يحارب الإرهاب.. أن يدافع عن الأرض والعرض المصري والعربي والإسلامي.. تريدونه أن يقاتل داخل أرضه وخارجها، ثم تنالون منه سخرية واستهزاءً، على الرغم من أن بيادة أصغر جندي في الجيش أشرف مليون مرة من رقبة أكبر هارب فيكم.. 


يا سيدي.. لقد رفضت مصر رفضًا قاطعا نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.. وشيخ الأزهر رفض لقاء نائب الرئيس الأمريكي، مايك بينس، يوم 20 ديسمبر الجاري؛ مؤكدا أن «الأزهر لا يمكن أن يجلس مع من يزيفون التاريخ ويسلبون حقوق الشعوب ويعتدون علي مقدساتهم».. وجه نداءً عاجلًا لأهالي القدس: «لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم.. ونحن معكم ولن نخذلكم».


يا سيدي.. هذه مصر، وهذا هو السيسي، وهذا هو شيخ الأزهر.. فماذا عنكم؟ وأين شيوخكم الذين يفتون لكم بقتل المسلمين؟ أين نبيكم القرضاوي، لماذا له صوتًا، أم أنه مشغول مع أحد حاخامات اليهود؟.


ران الصمت على الجميع.. قبل أن يطلب مني بقية الأصدقاء والزملاء التوقف عند هذا الحد، ومغادرة المكان، على أن يحاسب «أخينا» على المشاريب، لعل صدمة الحساب تعيده إلى رشده؟.
وكان الأزهر الشريف قد اتخذ موقفا حاسما منذ البداية من قرار الإدارة الأمريكية الباطل بإعلان القدس عاصمة لكيان الاحتلال الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية للقدس، كما حذر مرارا وتكرارا من تبعات هذا القرار على الأمن والسلم العالمي.