ويسألونك عن الإرهاب.. أسانيد داعش للاعتداء على المساجد "مجرد نصّ يراد به باطل"
صدمة حقيقية عاشها المصريون منذ الجمعة الفائتة، يعجز الكلام عن وصفها، صدمة تقتيل أبرياء في أثناء الصلاة، صاحبتها سؤال واحد تكرر كثيرا: "دين أهلهم اسمه أيه؟!"، ومع الأسف دينهم الإسلام، ولكن أسانيدهم وحججهم ومبرراتهم ربما تستحق وقفة جادة.
في كل مشهد حزن وأسى، كان الإرهابيون يخرجون أسانيدهم فى تبرير قتل المسلم وحرق وتدمير المساجد التى يصلون بها، دون أن يتزعزع ضميرهم أو يهتز أمام قتل الأبرياء، تتصاعد الدهشة من جانبنا، نمسك بتلابيب السذاجة، نردد: من أين لهم بكل هذا الغل..؟ نضيف كذلك، أليس لهم قلوب يفقهون بها، أو آذان يسمعون بها صوت الحكمة والمحبة والسلام، لكن الحقيقة أن صوت حكمتنا يتبخر كثيرا أمام الأسانيد التى يزعمون أنها شرعية لتبرير قتلنا بخسة ودم بارد.
وفي صراع الغلو يسقط الضمير، فقط تعلو"آية السيف" لتبريرالقتل، فتمشي على خطاها كل الجماعات التفكيرية، التي اتخذت من ذمم رموز فقهية عشقت الفتنة ركائز لتبرير القتل، وهو ما يجعلنا في أمس الحاجة لتلبية دعوة تجديد الخطاب الدينى، التى يرددها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ عام 2015، وهى الدعوة التى صارت مطلبا لكل المصريين بالتزامن مع كل عمل إرهابى لتفكيك الأسانيد الشرعية التى تلجأ اليها الجماعات التكفيرية فى قتل المسلم والاعتداء عليه، والتى تحولت إلى ألغام ترسم كل يوم دماء على الطريق، تدفعنا الى سرعة المواجهة التى لا تحتمل التأجيل..
ابن القيم وتهم البدع والضلالة
يعتمد "داعش" والجماعات التفكيرية على فكر ابن القيم، المعروف بتطرفه، والذى يعد هو التلميذ الشرعي لابن تيمية، التى حملت أفكاره كثيرا من الغلو والتطرف، فعلى الرغم من كونه ليس زعيما لـ"داعش" إلا أن فكره تحول إلى القاعدة التي انطلق إليها التنظيم للاعتداء على المسلمين، واستباحة قتلهم وتدمير مساجدهم. حيث يقود حملة كبيره في أفكاره على المساجد التى بها أضرحة، ليبرر تدميرها والاعتداء عليها يقول: "ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بأجر، ولا بحجر ولبن، ولا تشييدها، ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها، فكل هذا بدعة مكروهة ، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم. وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن، ألا يدع تمثالاً إلا طمسه، ولا قبراً مشرفاً إلا سواه".
لا تقف كلمات ابن القيم عند هذا، ولكنه يبرر لنسف كل مسجد يحمل قبرا، وهو السند الذى يزعم "داعش" أنه شرعي، وينطلق منه، فى حكم بيان المساجد التى تبنى عليها قبورا حيث يقول: "وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد. نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر)، وهي ذات الأفكار التي يتخذها المتطرفون من الدواعش والجماعات التفكيرية لتبرير الهجوم على الأضرحة، وهو ما قاد إلى الاعتداء على مزار شهباز الموجود فى باكستان، كما قاد إلى الاعتداء على عدد كبير من المساجد والمقامات الموجودة في كل من سوريا والعراق، والتي كان أبرزها مرقد النبي يونس، ومقام أويس القرني وعمار بن ياسر، ومقام زوجة النبي أيوب، ومزارات الطريقة الرفاعية، الموجودة في سوريا والعراق، ومزار النبي داوود، ومزار الأربعين.
وتعتمد أفكار ابن القيم كذلك على تصحيح المنكر ومحاربته، إذا امتلك القوة والسلطة، ويقف الاستنكار باللسان وبالقلب فقط فى حالة الضعف، وفى تلك الحالات يختار"داعش" بالطبع القوة نقطة لانطلاقه في حصد الأرواح.
كتاب "الفتاوى الكبرى" لإبن تيمية قبلة نشر التطرف
يعتمد "داعش" فى تبرير إجرامه الإرهابى للعالم، وهو يعرض كل يوم الأسانيد الشرعية للفكر المتطرف الذى يعتمد عليها، وهو ما جعله ينشر إصدارا مسجلا يعلن فيه سنده الشرعي في الهجوم على "داعش"، بعد تفجير عدد كبير من المساجد في سوريا والعراق، عبر تقرير حمل توقيع "ولاية نينوى" يعلن فيه أن آراءه مستندة إلى فكر شيخ الإسلام ابن تيميه في كتاب" الفتاوى الكبرى" حول حكم الأضرحة، والذي جاء فيه "اتفق الأئمة أنه لا يُبنى مسجد على قبر، وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غُيّر، إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديداً، وإنْ كان المسجد بُني بعد القبر، فإما أن يزال المسجد، وإما تزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل"،
وقال أيضاً: "يحرّم الإسراج على القبور واتخاذ القبور المساجد عليها وبينها، ويتعيّن إزالتها، ولا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين". كما استند التنظيم إلى ما ورد في كتاب "شرح العمدة": "قال أصحابُنا وغيرُهم من العلماء: لا يجوز أن يُبنى مسجدٌ على قبر ولا فيما بين القبور، والواجب في المساجد المبنية على تُرَبِ الأنبياء والعلماء والشيوخ والملوك وغيرهم ألّا تُتخذ مساجد، بل يُقطعُ ذلك عنها إما بهدمها أو سدِّها أو نحو ذلك مما يمنع أن تُتخذ مسجداً، ولا تصح الصلاةُ في شيء منها".
سيد قطب وجاهلية تكفير العامة
من جاهلية المجتمعات الإسلامية" انطلق سيد قطب أحد أقطابب منظري الجماعات التفكيرية، ليبيح استهداف المساجد، وهو يشكل الحاضنة القوية لكل الأسانيد التي تزعم الجماعات الإرهابية أنها شرعية لتبرير الهجوم على المساجد وحرقها، وتعتمد جاهلية المجتمعات الإسلامية على تكفير العوام من المسلمين، ومن ثم لا تحرم الاعتداء على المساجد، أو قتلهم وهم يقومون بتأديه الشعائر الدينية، ويعكس هذا الفكر المتطرف المتعطش لدماء الأبرياء من غير جماعته كتابه "معالم على الطريق" الذي يؤكد أن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم، وهو يقصف بالمنهج الوسطى الذى يقوده الأزهر، وهو ما يعطي الجماعات الإرهابية أسانيد للاعتداء على العامة من منطلق الجاهلية وفى كتابه "ظلال القرآن" يدعو "قطب" إلى اعتزال مساجد المسلمين التي تقام فها الصلاة ويرفع فيها الآذان.
وهو يؤكد في كتابه أن تلك المساجد ما هى إلا معابد جاهلية، وهو ما يسقط الإيمان عن المصلين فى تلك المساجد، ويبرر استباحة دمائهم طبقا لأفكار"قطب"، وهو السند الذى اتخذته الجماعات الإرهابية المارقة فى هجومها على مسجد الروضة ببئر العبد. كما يرجع إلى "قطب" فكرة إحياء مصطلح "مسجد ضرار" في العصر الحديث، والذى أسقطها على مساجد اليوم، وبحسب النص الذي جاء فى تفسيره الشهير "فى ظلال القرآن " ويفسر "قطب" معنى كلمة ضرار فى كتابه :"هذا المسجد أي الضرار- ما يزال يُتخذ في صور شتى تلائم ارتقاء الوسائل الخبيثة التي يتخذها أعداء هذا الدين تتخذ في صورة نشاط ظاهره للإسلام وباطنه لسحق الإسلام، أو تشويهه وتمويهه وتمييعه، أو تتخذ في صورة أوضاع ترفع لافتة الدين عليها لتترس وراءها وهي ترمي هذا الدين! وتتخذ في صورة تشكيلات وتنظيمات وكتب وبحوث تتحدث عن الإسلام لتحذّر القلقين الذين يرون الإسلام يذبح ويمحق... ومن أجل مساجد الضرار الكثيرة هذه يتحتم كشفها وإنزال اللافتات الخادعة عنها، وبيان حقيقتها للناس، وما تخفيه وراءها.
محمد أبو المقدسي وتكفير الصلاة وراء خطباء المنابر
ينضم عاصم طاهر البرقاوي، ولقبه أبو محمد المقدسي، وهو احد أهم منظري السلفية الجهادية، إلى قائمة الأسانيد الشرعية التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية فى تبرير قتل الآخر واستباحة الهجوم على المساجد الخاصة بهم، وتكفير خطباء المنابر، واعتبار أنهم يدعون إلى الطواغيت، وإلى الحكام الذين يرفضونهم لتبرير القتل، ويعتبر" المقدسي" من أهم منظري تيار السلفية الذي اشتهر بين العناصر الإرهابية بتكفيره للدولة السعودية.
ومن يتابع الهجوم الذي شنة الإرهابيون على مسجد الروضة،والذين لم يفرقوا بين خطيب ومصل، يتأكد أن أفكار "المقدسي" تتسق تماما مع أفكار "داعش" التي تنتقم من خطباء المنابر بالقتل، وهو ما فعله المسلحون في أثناء محاولتهم الهجوم على خطيب مسجد الروضة.
ويرد في كتاب " المقدسي" الذي يحمل عنوان "حسن الرفاقة في أجوبة سؤالات سواقة" والذي من تأليفه حيث يقوله في باب حكم من يصلي ويدعو إلى الحاكم الذى ترفضه تلك الجماعات الإرهابية :" لا يجوز الجلوس مع الخطيب الذى يدعو الى الطاغوت علي منبر أو الإستماع إليه دون انكار، فضلا عن الصلاة والابتداء به، كما يحاول" المقدسي" استدعاء النص القرآنى:"ولا تقعدوا معهم حتي يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذا مثلهم" للي ذراع النصوص القرآنية لخدمة فكره، كما يدعو" المقدسي" إلى اجتناب عبادته أو مدحه أو الثناء عليه أو مبايعة أولاده أو اتباع عبيده وأنصاره، ومن دعا إلى الطاغوت بالنصر والتشييد ومنحه وأثنى عليه فهذا من أنصاره وأوليائه، ولا يقال مكره لأنهم لا يكرهونه على الدعاء بكيفية معينة ولا يكرهونهم على مدح الطاغوت. ومن كانت هذه حاله فهو من أولياء الطاغوت، فلا تحل الصلاة خلفه ولا الاقتداء به ويدخل في هذا دون شك من سوء الشرك والتشريع والتشريع مع الله، ومن دعا إلى بدعة العصر وتشريع الشعب فلا نعمة ولا كرامة لهؤلاء مهما كبرت عمائمهم وطالت لحاهم، ولا يصلي خلفهم، إذ هذه بدعة العصر، ويؤكد" المقدسي" أن آراءه تستند إلى كلام الإمام أحمد في أصحاب البدع المكفرة كالجلهمية.
اقرأ أيضا
رسميا.. 200 ألف جنيه لأسرة كل شهيد و50 ألف للمصاب من ضحايا حادث الروضة
ويسألونك عن الإرهاب.. خطط المؤسسات الدينية للرد على "داعش" وأخواتها