متمردة لا تجيد إلا التقليد والتكرار في Insurgent
نقاط عديدة ناقشناها يجدر الإشارة إليها كـتمهيد ضروري، بخصوص أول أفلام السلسلة أو Divergent، وخصائص أعمال "دستوبيا المراهقين" بصفة عامة. ولعل أسوأ ما في الفيلم الأول، أنه رغم مدة عرضه الطويلة (140 دقيقة) لم ينجح كفيلم كامل مستقل، يحقق إشباعا حقيقيا مع ظهور تترات النهاية.
قد يكون المبرر في الأصل الروائي نفسه للأديبة الشابة فيرونيكا روث، المُعد منذ البداية كجزء من ثلاثية أدبية، لكن في جميع الحالات كان من المنتظر علاج هذه المشكلة في الفيلم الثاني المتمردة Insurgent المعروض حاليا. بحيث يعمل الفيلم كعمل كامل مستقل ذو حدوتة مسلية كاملة، ويعمل أيضا كفصل في سلسلة.
النموذج الجيد الشهير الذي يحضرني هنا للمقارنة هو سلسلة هاري بوتر المكونة من 7 روايات، تم ترجمتها سينمائيا إلى 8 أفلام ممتعة، يحقق كل فيلم فيها درجة إشباع عالية كعمل مستقل ذو بداية وعقدة ونهاية. ويعمل أيضا كفصل مترابط مع الباقين ضمن حدوتة طويلة شيقة.
لكن في النهاية هاري بوتر يملك سحرا روائيا حقيقيا في جيناته الأصلية الأدبية، وأشرف على ولادته سينمائيا مجموعة من أفضل مخرجي وسحرة هوليوود، وهو ما لا ينطبق على سلسلة Divergent للأسف، التي احتفظ فيلمها الثاني Insurgent بنفس العيب الرئيسي لفيلمها الأول.
تيريس (شايلين ودلي)، تواصل هنا مع زملائها، صراعها المضطرب غير المفهوم مع جينين (كيت وينسلت)، في حبكة معيوبة لا تقل عن الفيلم الأول من حيث الثغرات وانعدام الترابط، لا تضيف ما يستحق فيلم كامل منفصل، لما شاهدناه وعرفناه بالفعل سابقا في الفيلم الأول.
الأداء التمثيلي لا يزال بنفس العيوب. والحقيقة أن أي تغييرات في الطاقم التمثيلي بفئة أكثر موهبة، لن تنقذ الموقف كثيرا غالبا، لأن الأحداث والشخصيات في السيناريو، لا تتمتع من الأصل بالحد الأدنى اللازم لتقديم أداء مقنع.
وتماما مثلما أضاعت كيت وينسلت وقتها وموهبتها في الفيلمين، مع شخصية سطحية أحادية الجانب، يُضاف هنا إلى قائمة الأسماء الكبيرة التي تتراجع أسهمها مع السلسلة النجمة ناعومي واتس، التي تقدم شخصية بنفس العيوب تقريبا.
في فيلم عنوانه المتمردة، وسلسلة رئيسية يُفترض أن رسالتها الأساسية تشجيع النزعة الفردية، ومحاربة أى نمط اجتماعي وسياسي يدشن القولبة، يبدو الفيلم نفسه كنقيض تام لهذه الرسالة. ليس فقط لأنه لا يملك ما يضيفه أو يميزه عن الفيلم الأول، لكن لأن الأحداث والشخصيات ككل، تسير على نفس قالب أي عمل آخر من فئة دستوبيا المراهقين.
تولى إخراج الفيلم روبرت سشينتكى صاحب أفلام Red - Flightplan خلفا لـ نيل بيرجر في الفيلم الأول. وإلى حد ما يقدم مشاهد أكشن وجرافيك أفضل، بعد أن فاز الفيلم الثاني بميزانية أعلى عقب نجاح الفيلم الأول. لكن إجمالا لا يزال مستوى الجودة لا يرقى نهائيا لفيلم أكشن ينتمي إلى فئة ميزانيات الـ 100 مليون دولار.
مشاهد مغامرات الواقع الافتراضي أو الـ Virtual reality مثلا - وهو مصطلح دارج حاليا يشير اختصارا الى محاكاة برمجيات لبيئات حقيقية - أقل اتقانا عما شاهدناه سابقا في عشرات الأفلام. ولغز (هل هذا حقيقي أم مزيف) يبدأ هنا فاقدا جدواه ومتعته من الأصل، بسبب استنزافه بالفعل في الفيلم السابق.
يعرض الفيلم الجديد بتقنية الـ 3D وهو ما لم توفره الشركة للفيلم الأول. وكالعادة لا يوجد توظيف حقيقي مستمر يستوجب التقنية. من وقت لآخر سيلجأ صناع الفيلم لإطلاق شظايا ثلاثية الأبعاد في اتجاه المُتفرج، لتبرير ثمن النظارة ليس إلا. حتى مشهد مطاردة الكوخ الطائر المحترق، الذي سوقته الشركة كالمشهد التجاري المشوق الرئيسي في إعلانات الفيلم، لم يستفد شيئا يذكر من التقنية.
في الحقيقة لا أنصح بمشاهدة الفيلم عامة، لكن في حالة تواجد الرغبة، فسيكون من الأفضل مشاهدته على أجهزة العرض المنزلي بدون الـ 3D الذي شكل عيبا إضافيا مرهقا مزعجا آخر.
لا توجد أزمة في تصميم أفلام وحبكات بشروط وضوابط تجارية لجمهور معين. هذا ما تفعله صناعة السينما بشكل عام. لكن حاليا يبدو Insurgent نموذج مشوه آخر لـ "دستوبيا المراهقين" التي لم تتمتع أفلامها نهائيا بالإتقان السينمائي الكاف.
والطريف أن القاعة التي امتلأت بالمراهقين، تُجاور حاليا قاعات تعرض أفلام خيال علمي أفضل ناقشناها، لم توفق تجاريا، لكن لا تخلو من تجديد وطموح حقيقي. مثل Chappie الذي تمتع بقدر من النزعة التجريبية ومشاهد أكشن جيدة رغم كل عيوبه. أو فيلم الأخوين واتشوسكي Jupiter Ascending الذي تمتع بكرنفال بصري مبهر يستحق المشاهدة على الشاشة الكبيرة رغم عيوب السرد فيه.
في النهاية التكرار والقولبة لم تمنع Insurgent أدبيا وسينمائيا من التفوق وتحقيق نجاح تجاري. وهى حقيقة تؤكد أن هوجة "دستوبيا المراهقين" ستصمد لفترة ما مستقبلية أخرى. السؤال المهم هل ستصمد بنفس عيوبها الحالية، أم سنشاهد لاحقا عمل ما، يمنحها أخيرا هيبة سينمائية وسط أقرانها؟
باختصار:
المتمردة Insurgent لا يملك شيئا يذكر من خصائص اسمه. ولا يتمرد نهائيا على أي من عيوب فيلمه الأول روائيا وبصريا وتمثيليا. ونقطة التجديد الوحيدة المتمثلة في الـ 3D تثقله بعيب قاتل أخر إضافي، يجعله أسوأ وأسوأ.