التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 04:06 ص , بتوقيت القاهرة

خبير اقتصادي يجيب لـ "دوت مصر": كيف تمر الدولة من أزمة الديون؟

"قُبح الدين همٍ بالليل ومذلة بالنهار" هذا على مستوى الفرد، ولكن على مستوى الدول تكون الديون وسيلة لتمويل العجز في الموارد ولها معايير وحدود أمان.


أغلب هذه المعايير تؤكد أن النسبة الآمنة للدين هي 60%، وفي مصر بلغت نسبة الدين العام 100% من الناتج المحلي، بعبارة أسهل كل ما تنتجه مصر يذهب في سداد الديون، هذا لأن الإنتاج متعطل، ولأن السياحة مريضة، ولأن حركة التجارة العالمية انخفضت، وهذا أثّر على إيرادات قناة السويس، عوامل تقف أمام الموازنة وتجعل الدولة تتحايل على الموقف بالاستدانة من البنوك لتغطية النفقات اليومية.. فكيف تُكسر هذه الدائرة؟.


في البداية، ترى الدكتورة عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن "وصول إجمالي الدين العام إلى 2.968 تريليون جنيه،  يؤكد على خطورة الوضع الاقتصادي، ومن ثم لابد من التفكير في حلول عملية للخروج من الازمة، أهمها ترشيد النفقات، فليس من المعقول في ظل هذا الوضع الصعب أن يستعين بعض الوزراء بكم هائل من المستشارين، موضحة أن الترشيد يجب أن يبدأ من الحكومة، فضلاً عن تعدد أدوات التمويل الخاصة بإدارة الدين العام، فالبحث الدائم عن إيرادات حقيقية يُساهم في خفض عجز الموازنة، وبالتالي خفض الاتجاه نحو الاستدانة.. إن الدين العام هو المشكلة الحقيقة لأن الدين الخارجي لازال في الحدود الآمنة".


ليس الترشيد فقط هو الحل، بل أيضًا يجب أن يكون هناك اتجاه قوي نحو الإنتاج وزيادة الاستثمارات، وهذا يُفَعِل أمرين، الأول هو خفض نسب البطالة المرتفعة، والثاني هو تحقيق إيرادات تُسيطر على جموح الدين العام.


هل توجد بدائل للاستدانة؟


يُجيب عن هذا السؤال  مُحسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار وعضو المجلس الاستشاري للرئيس السيسي قائلًا: "في ظل التطورات التي تشهدها أساليب إدارة الدين العام المتنامي في مصر، فإنه يجب الانتباه إلى أن حجم الدين المحلي وأعباء خدمته يُمثل تحديًا كبيرًا مقارنة بالدين الخارجي الذي يُمثل نسبة أقل من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمتوسط منطقة الشرق الأوسط، ولا يُمكن التحكم في حجم الدين دون التعرض لعجز الموازنة المُزمن الذي عانت منه مصر على مر أعوام، ومازالت تُعاني منه خصوصاً خلال الأعوام الأربع الأخيرة والتي انخفضت فيها الإيرادات وزادت المصروفات بشكل مضطرد، بينما يُمكننا محاولة تخفيض أعباء خدمة الدين عن طريق الإدارة الرشيدة لمحفظة الدين الحكومي".


وأضاف  عادل أنه "من المهم  التوجه إلى اعتماد الأداة المالية (صكوك التمويل) في الوقت الحالي، سواء على المستوى الحكومي مما سيجذب استثمارات عربية خليجية للدخول في سوق الدين؛ بما يرفع من الحصيلة الدولارية من جانب، ويُخفف العبء عن البنوك المحلية من جانب آخر، ويرفع من مساحة البدائل التمويلية المتاحة".


وتابع: "هناك ضرورة للاستفادة من هذه الأداة في إطار خطة الدولة نحو تطوير الأدوات المالية وتنويعها لزيادة قدرة الشركات والحكومة وغيرها من الجهات الاعتبارية المختلفة في الحصول على التمويل، لما في ذلك من أثر إيجابي على زيادة حجم الاستثمار والتشغيل في الاقتصادي القومي، وعلى تمكين تلك الجهات من تنويع مصادر تمويلها، ولتلبية احتياجات شريحة كبيرة من الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والشركات الراغبة في تمويل أنشطتها ومشروعاتها أو التوسع فيها عن طريق الصكوك".


وبحسب محسن عادل، فقد "مثلت أدوات الدين المحلي نسبة متصاعدة من ودائع وحدات الجهاز المصرفي، في الوقت الذي تراجعت فيه معدلات توظيف القروض إلى الودائع على مستوى القطاع ككل، وهو الدور الرئيسي المعني به البنوك كوسيط مالي لتوظيف ودائعها في مشروعات تُحقق قيمة مضافة لاقتصاد البلاد، ونرى أنه لابد من وضع حد أقصى للاستدانة الداخلية وحجم طروحات الأوراق المالية التي تنوي طرحها من إجمالي ودائع البنوك، وأن يكون لديها مؤشر يربط بين محفظة استثمارات البنوك في أدوات الدين، وبين إجمالي الودائع المتوفرة لدى وحدات الجهاز المصرفي، إذا كانت تهدف فعليًّا لإنعاش الأسواق ومحاربة الركود الاقتصادي".


وأوضح: "في حال تطبيق ذلك سيكون على وزارة المالية تقليص حجم الطروحات لفترة زمنية؛ حتى تهبط بالمؤشر للحدود الآمنة التي تسمح لها باستئناف الاقتراض، وهو ما سيدفع البنوك حتمًا لبذل المزيد من الجهد للبحث عن قنوات بديلة لتوظيف ما لديها من سيولة وتوجيهها لقنواتها الصحيحة، عبر ضخها بسوق القروض والتسهيلات الائتمانية للشركات وأصحاب المشروعات".


وقال إنه "على الرغم من استمرار وزارة المالية في زيادة السندات ذات الآجال المتوسطة في مقابل أذون الخزانة ذات الآجال قصيرة الأجل وبناء منحنى عائد لإصدارات الحكومة، من خلال إصدارات منتظمة لآجال مرجعية (1.5، 3، 5، 7، 10 سنوات) وإعادة فتحها لخلق سيولة في جانب المعروض من السندات؛ إلا أن نشاط السوق الثانوي لسندات الخزانة مازال ضعيفاً، إذ يبلغ النشاط نسبة 1.1% من إجمالي الإصدار، وذلك حتى في ظل زيادة المعروض من الإصدارات بالإضافة إلى تركز المستثمرين في سندات الخزانة؛ لهذا نري ضرورة الاسراع بخطوة تفعيل سوق السندات الثانوي بالبورصة المصرية، إذ أن السوق مازال ضعيفًا وغير عميق، وتستحوذ البنوك على كل تعاملاته، وذلك على عكس الأسواق الأخرى عالميًا المتوافر بها أسواق ثانوية نشطة مما يسمح بتوفير تمويلات متوسطة وطويلة الأجل للشركات".


ويضيف: "يستدعي ذلك اتخاذ حزمة من الإجراءات المتكاملة لتعزيز قدرة السوق الثانوي لسندات الخزانة ومنها توسيع قاعدة المستثمرين، واستحداث آليات مثل بيع وإعادة شراء السندات، وتوحيد تسوية الأذون والسندات لتفعيل آليات تسليف الأوراق المالية الحكومية، والمحافظة على الإصدارات المنتظمة وخلق نقاط مرجعية في كلٍ من سوق الإصدار والتداول وكذلك توحيد نظام التسوية للأوراق المالية الحكومية لتعزيز سيولة السندات، إذ تساهم سيولة السوق الثانوي في تخفيض تكلفة تلك الأوراق من خلال خفض عائد الإصدار، بالإضافة إلى إعادة النظر في نظام طرح العطاءات (Uniform vs. Competitive auctions)ونظام التداول بالسوق الثانوي".